للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العَبَّاسُ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّ عِنْدَكَ سَحَابًا، وَإِنَّ عِنْدَكَ مَاءً؛ فَانْشُرِ السَّحَابَ، ثُمَّ أَنْزِلْ فِيهِ المَاءَ، ثُمَّ أَنْزِلْهُ عَلَينَا) فَذَكَرَ الحَدِيثَ (١).

٥ - أَنَّ الحَدِيثَ فِي بَعْضِ أَلْفَاظِهِ جَاءَ مُصَرِّحًا بِلَفْظِ الاسْتِسْقَاءِ بِالنَّبِيِّ عِوَضًا عَنِ التَّوَسُّلِ بِهِ، كَمَا هُوَ عِنْدَ عَبْدِ الرَّزَّاقِ وَالإسْمَاعِيلِيِّ (٢)، وَالاسْتِسْقَاءُ: هُوَ طَلَبُ السُّقْيَا كَمَا لَا يَخْفَى؛ فَظَهَرَ بِذَلِكَ أَنَّ مَعْنَى التَّوَسُّلِ هُنَا هُوَ الدُّعَاءُ (٣).

٦ - أَنَّ الفَارِقَ فِي قَولِ عُمَرَ بَينَ (كُنَّا) وَ (إِنَّا) -أَي الآنَ- إِنَّمَا هُوَ حَيَاةُ النَّبِيِّ ، وَكَمَا قَالَ اللهُ عَزَّ شَأْنُهُ: ﴿وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾ [المُؤْمِنُون: ١٠٠].

وَقَد أَشَارَ إِلَى هَذِهِ الحَقِيقَةِ الصَّحَابيُّ الجَلِيلُ ابْنُ مَسْعُودٍ فِي قَولِهِ: (عَلَّمَنِي رَسُولُ اللهِ -وَكَفِّي بَينَ كَفَّيهِ- التَّشَهُّدَ كَمَا يُعَلِّمُنِي السُّورَةَ مِنَ القُرْآنِ: التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ، السَّلَامُ عَلَيكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ، السَّلَامُ عَلَينَا وَعَلَى


(١) مُصَنَّفُ عَبْدِ الرَّزَّاقِ (٤٩١٣). وَالأَثَرُ نَقَلَهُ الحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ فِي الفَتْحِ (٢/ ٤٩٥) وَسَكَتَ عَنْهُ.
(٢) قَالَ الحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ فِي الفَتْحِ (٢/ ٤٩٥): "وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ عَنْ عُمَرَ؛ فَأَشَارَ بِهِ أَيضًا -أَي: البُخَارِيُّ- إِلَى مَا وَرَدَ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ وَهُوَ عِنْدَ الإِسْمَاعِيلِيِّ مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ المُثَنَّى عَنِ الأَنْصَارِيِّ بِإِسْنَادِ البُخَارِيِّ إِلَى أَنَسٍ قَالَ: كَانُوا إِذَا قَحَطُوا عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ اسْتَسْقَوا بِهِ؛ فَيَسْتَسْقِي لَهُمْ؛ فَيُسْقَونَ، فَلَمَّا كَانَ فِي إِمَارَةِ عُمَرَ؛ فَذَكَرَ الحَدِيثَ".
فَقَولُهُ: (فَيَسْتَسْقِي لَهُم) صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ كَانَ يَطْلُبُ لَهُم السُّقْيَا مِنَ اللهِ تَعَالَى.
قَالَ ابْنُ الأَثِيرِ : "الاسْتِسْقَاءُ -وَهُوَ اسْتِفْعَالٌ- مِنْ طَلَبِ السُّقْيا: أَي: إنْزَالَ الغَيثِ عَلَى البِلَادِ وَالعِبَادِ. يُقَالُ: سَقَى اللهُ عِبَادَهُ الغَيثَ وَأَسْقَاهُم. وَالاسْمُ السُّقْيَا بِالضَّمِّ. واسْتَسْقَيتَ فُلَانًا: إِذَا طَلَبتَ مِنْهُ أَنْ يَسْقِيَكَ". النِّهَايَةُ فِي غَرِيبِ الحَدِيثِ وَالأَثَرِ (٢/ ٩٦٢).
(٣) وَأَيضًا فَقَد تَتَابَعَ عَمَلُ السَّلَفِ عَلَى التَّوَسُّلِ بُدُعَاءِ الصَّالِحِينَ كَمَا فِي خَبَرِ مُعَاوِيَةَ وَالضَّحَّاكِ مَعَ يَزيدَ بْنِ الأَسْوَدِ الجُرَشِيِّ، وَقَد سَبَقَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>