(٢) وَأَمَّا فِرْيَةُ مَنْ لَم تَشْعُرْ أَفْئِدَتُهُم بِتَقْوَى اللهِ فِي المُسْلِمِينَ؛ مِنْ أَنَّ سَبَبَ قَولِ مَانِعِي التَّوَسُّلِ بِالجَاهِ والذَّاتِ هُوَ ظَنُّهُم أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ لَهُ أَثَرٌ ذَاتِيٌّ فِي النَّفْعِ وَالضُّرِّ قَبْلَ مَوتِهِ؛ فَلَمَّا مَاتَ لَم يَعُدْ لَهُ أَثَرٌ فِي ذَلِكَ! أَو أَنَّهُ لمَ يَعُدْ لَهُ جَاهٌ عِنْدَ اللهِ تَعَالَى! وَأَنَّهُم بِذَلِكَ يَعْتَقِدُونَ -أَي: السَّلَفِيُّونَ المُنْكِرُونَ لِلتَّوَسُّلِ بِالذَّاتِ وَالجَاهِ- النَّفْعَ وَالضُّرَّ فِي ذَاتِ النَّبِيِّ ﷺ! فَهَذَا مَحْضُ افْتِرَاءٍ وَكَذِبٍ -عَلَيهِم مِنَ اللهِ مَا يَسْتَحِقُّونَ-، وَإِنَّمَا الفَارِقُ عِنْدَنَا حَقِيقَةً هُوَ إِمْكَانِيَّةُ الدُّعَاءِ مِنْهُ ﷺ، فَبَعْدَ مَوتِهِ لَمْ يَعُدْ ذَلِكَ مُمْكِنًا، بِخِلَافِ زَمَنِ حَيَاتِهِ ﷺ، وَالفَيصَلُ بَينَنَا وَبَينَهُم قَولُ عُمَرَ ﵁: (اللَّهُمَّ إِنَّا كُنَّا نَتَوَسَّلُ إِلَيكَ بِنَبِيِّنَا فَتَسْقِينَا؛ وَإِنَّا نَتَوَسَّلُ إِلَيكَ بِعَمِّ نَبِيِّنَا)، وَكُلُّ خَيرٍ فِي اِتِّبَاعِ مَنْ سَلَفَ، فَنَحْنُ سَلَفِيُّونَ وَهُمْ خَلَفِيُّونَ، وَكَمَا قَالَ الشَّاعِرُ: "أُولَئِكَ آبَائِي؛ فَجِئْني بمِثْلِهِم … إِذَا جَمَعَتْنَا يَا جَرِيرُ المَجَامِعُ".(٣) وَأَيضًا فَهُنَاكَ مِنَ المَفْضُولِ مَنْ هُوَ أَدْنَى مِنَ النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ ﷺ وَأَعْلَى مِنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ وَمَعَ ذَلِكَ لَمْ يَحْصُلِ التَّوَسُّلُ بِهِم؛ كَسَائِرِ الأَنْبِيَاءِ وَالمَلَائِكَةِ الكِرَامِ المُقَرَّبُونَ! وَالحَمْدُ للهِ عَلَى تَوفِيقِهِ.(٤) وَإِنَّ الانْصِرَافَ عَنِ التَّوَسُّلِ بِجَاهِ النَّبِيِّ ﷺ -لَو جَازَ- إِلَى التَّوَسُّلِ بِجَاهِ غِيرِهِ؛ مَا هُوَ إَلَّا كَالانْصِرَافِ عَنِ الاقْتِدَاءِ بِالنَّبِيِّ ﷺ فِي الصَّلَاةِ إِلَى الاقْتِدَاءِ بِغَيرِهِ -سَوَاءً بِسَوَاءٍ- إِذْ لَا مُقَارَبَةَ أَبَدًا بَينَهُ وَبَينَ غَيرِهِ.وَلَو أَنَّ إِنْسَانًا أُصِيبَ بِمَكْرُوهٍ فَادِحٍ؛ وَكَانَ أَمَامَهُ نَبِيٌّ وَآخَرُ غَيرُ نَبِيٍّ، وَأَرَادَ أَنْ يَطْلُبَ الدُّعَاءَ مِنْ أَحَدِهِمَا؛ لَمَا طَلَبَهُ إِلَّا مِنَ النَّبيِّ، وَلَو طَلَبَهُ مِنْ غَيرِ النَّبِيِّ وَتَرَكَ النَّبِيَّ لَعُدَّ مِنَ الجَاهِلِينَ الَّذِينَ يَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيرٌ!
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute