للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عِبَادِ اللهِ الصَّالِحِينَ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ -وَهُوَ بَينَ ظَهْرَانَينَا-؛ فَلَمَّا قُبِضَ قُلْنَا: السَّلَامُ -يَعْنِي عَلَى النَّبِيِّ ). رَوَاهُ البُخَارِيُّ (١) (٢).

٧ - أَنَّهُ لَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالُ: إِنَّ مُرَادَ عُمَرَ هُوَ بَيَانُ جَوَازِ التَّوَسُّلِ بِالمَفْضُولِ مَعَ وُجُودِ الفَاضِلِ! وَذَلِكَ لِأُمُورٍ؛ مِنْهَا:

أ- أَنَّ هَذِهِ دَعْوَى لَا دَلِيلَ عَلَيهَا، وَإِنَّمَا يَكْفِينَا القَولُ بِأَنَّ الصَّحَابَةَ لَمْ يَتَوَسَّلُوا -بِغَضِّ النَّظَرِ عَنْ مَعْنَى التَّوَسُّلِ- بِالنَّبِيِّ بَعْدَ مَوتِهِ.

ب- أَنَّ أَحْرَجَ الأَوقَاتِ -مِنَ القَحْطِ وَالجَدْبِ وَالجُوعِ- لَا يُقْبَلُ فِيهِ تَرْكُ الفَاضِلِ وَاللُّجُوءُ إِلَى المَفْضُولِ! لَا سِّيَمَا وَأَنَّ ذَلِكَ يُمْكِنُ بَيَانُهُ بِالقَولِ، أَو أَنْ يَتَوَسَّلَ بِهِمَا جَمِيعًا (٣) (٤).


(١) البُخَارِيُّ (٦٢٦٥).
(٢) وَأَمَّا فِرْيَةُ مَنْ لَم تَشْعُرْ أَفْئِدَتُهُم بِتَقْوَى اللهِ فِي المُسْلِمِينَ؛ مِنْ أَنَّ سَبَبَ قَولِ مَانِعِي التَّوَسُّلِ بِالجَاهِ والذَّاتِ هُوَ ظَنُّهُم أَنَّ النَّبِيَّ كَانَ لَهُ أَثَرٌ ذَاتِيٌّ فِي النَّفْعِ وَالضُّرِّ قَبْلَ مَوتِهِ؛ فَلَمَّا مَاتَ لَم يَعُدْ لَهُ أَثَرٌ فِي ذَلِكَ! أَو أَنَّهُ لمَ يَعُدْ لَهُ جَاهٌ عِنْدَ اللهِ تَعَالَى! وَأَنَّهُم بِذَلِكَ يَعْتَقِدُونَ -أَي: السَّلَفِيُّونَ المُنْكِرُونَ لِلتَّوَسُّلِ بِالذَّاتِ وَالجَاهِ- النَّفْعَ وَالضُّرَّ فِي ذَاتِ النَّبِيِّ ! فَهَذَا مَحْضُ افْتِرَاءٍ وَكَذِبٍ -عَلَيهِم مِنَ اللهِ مَا يَسْتَحِقُّونَ-، وَإِنَّمَا الفَارِقُ عِنْدَنَا حَقِيقَةً هُوَ إِمْكَانِيَّةُ الدُّعَاءِ مِنْهُ ، فَبَعْدَ مَوتِهِ لَمْ يَعُدْ ذَلِكَ مُمْكِنًا، بِخِلَافِ زَمَنِ حَيَاتِهِ ، وَالفَيصَلُ بَينَنَا وَبَينَهُم قَولُ عُمَرَ : (اللَّهُمَّ إِنَّا كُنَّا نَتَوَسَّلُ إِلَيكَ بِنَبِيِّنَا فَتَسْقِينَا؛ وَإِنَّا نَتَوَسَّلُ إِلَيكَ بِعَمِّ نَبِيِّنَا)، وَكُلُّ خَيرٍ فِي اِتِّبَاعِ مَنْ سَلَفَ، فَنَحْنُ سَلَفِيُّونَ وَهُمْ خَلَفِيُّونَ، وَكَمَا قَالَ الشَّاعِرُ: "أُولَئِكَ آبَائِي؛ فَجِئْني بمِثْلِهِم … إِذَا جَمَعَتْنَا يَا جَرِيرُ المَجَامِعُ".
(٣) وَأَيضًا فَهُنَاكَ مِنَ المَفْضُولِ مَنْ هُوَ أَدْنَى مِنَ النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ وَأَعْلَى مِنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ وَمَعَ ذَلِكَ لَمْ يَحْصُلِ التَّوَسُّلُ بِهِم؛ كَسَائِرِ الأَنْبِيَاءِ وَالمَلَائِكَةِ الكِرَامِ المُقَرَّبُونَ! وَالحَمْدُ للهِ عَلَى تَوفِيقِهِ.
(٤) وَإِنَّ الانْصِرَافَ عَنِ التَّوَسُّلِ بِجَاهِ النَّبِيِّ -لَو جَازَ- إِلَى التَّوَسُّلِ بِجَاهِ غِيرِهِ؛ مَا هُوَ إَلَّا كَالانْصِرَافِ عَنِ الاقْتِدَاءِ بِالنَّبِيِّ فِي الصَّلَاةِ إِلَى الاقْتِدَاءِ بِغَيرِهِ -سَوَاءً بِسَوَاءٍ- إِذْ لَا مُقَارَبَةَ أَبَدًا بَينَهُ وَبَينَ غَيرِهِ.
وَلَو أَنَّ إِنْسَانًا أُصِيبَ بِمَكْرُوهٍ فَادِحٍ؛ وَكَانَ أَمَامَهُ نَبِيٌّ وَآخَرُ غَيرُ نَبِيٍّ، وَأَرَادَ أَنْ يَطْلُبَ الدُّعَاءَ مِنْ أَحَدِهِمَا؛ لَمَا طَلَبَهُ إِلَّا مِنَ النَّبيِّ، وَلَو طَلَبَهُ مِنْ غَيرِ النَّبِيِّ وَتَرَكَ النَّبِيَّ لَعُدَّ مِنَ الجَاهِلِينَ الَّذِينَ يَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيرٌ!

<<  <  ج: ص:  >  >>