للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَوَالِدِيهِم، وَهُوَ الَّذِي يَحُثُّهُم وَيَدْعُوهُم إِلَى الأَسْبَابِ الَّتِي يَنَالُونَ بِهَا رَحْمَتَهُ، وَهُوَ يُرِيدُ مِن مَصَالِحِهِم مَا لَا يُرِيدُونَهُ لِأَنْفُسِهِم، وَهُوَ الغَنِيُّ الَّذِي لَهُ الغِنَى التَّامُّ المُطْلَقُ؛ الَّذِي لَوِ اجْتَمَعَ الخَلْقُ مِن أَوَّلِهِم وَآخِرِهِم فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُوهُ فَأَعْطَى كُلًّا مِنْهُم مَا سَأَلَ وَتَمَنَّى لَمْ يُنْقِصُوا مِن غِنَاهُ شَيئًا، وَلَمْ يُنْقِصُوا مِمَّا عِنْدَهُ؛ إِلَّا كَمَا يُنْقِصُ البَحْرُ إِذَا غُمِسَ فِيهِ المِخْيَطُ.

وَجَمِيعُ الشُّفَعَاءِ يَخَافُونَهُ؛ فَلَا يَشْفَعُ مِنْهُم أَحَدٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ، وَلَهُ الشَّفَاعَةُ كُلُّهَا.

فَبِهَذِهِ الفُرُوقِ يُعْلَمُ جَهْلُ المُشْرِكِينَ بِهِ، وَسَفَهُهُم العَظِيمُ، وَشِدَّةُ جَرَاءَتِهِم عَلَيهِ، وَيُعْلَمُ أَيضًا الحِكْمَةُ فِي كَونِ الشِّرْكِ لَا يَغْفِرُهُ اللهُ تَعَالَى؛ لِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ القَدْحَ فِي اللهِ تَعَالَى، وَلِهَذَا قَالَ حَاكِمًا بَينَ الفَرِيقَينِ المُخْلِصِينَ وَالمُشْرِكِينَ -وَفِي ضِمْنِهِ التَّهْدِيدُ لِلْمُشْرِكِينَ-: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَينَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ﴾ [الزُّمَر: ٣] " (١).


(١) تَفْسِيرُ السَّعْدِيِّ (ص ٧١٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>