للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَفِي الصَّحِيحَينِ عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ مَرْفُوعًا: ((يَا فَاطِمَةُ بِنْتَ رَسُولِ اللهِ: سَلِينِي مَا شِئْتِ مِنْ مَالِي لَا أُغْنِي عَنْكِ مِنَ اللهِ شَيئًا)) (١).

قَالَ العَلَّامَةُ السَّعْدِيُّ : "فَهَؤُلَاءِ قَدْ تَرَكُوا مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ مِن الإِخْلَاصِ وَتَجَرَّأُوا عَلَى أَعْظَمِ المُحَرَّمَاتِ -وَهُوَ الشِّرْكُ-، وَقَاسُوا الَّذِي لَيسَ كَمِثْلِهِ شَيءٌ -المَلِكَ العَظِيمَ-، بِالمُلُوكِ! وَزَعَمُوا بِعُقُولِهِمُ الفَاسِدَةِ وَرَأْيهِمُ السَّقِيمِ أَنَّ المُلُوكَ -كَمَا أَنَّهُ لَا يُوصَلُ إِلَيهِمُ إِلَّا بِوُجَهَاءَ وَشُفَعَاءَ وَوُزَرَاءَ يَرْفَعُون إِلَيهِم حَوَائِجَ رَعَايَاهُم، وَيَسْتَعْطِفُونَهُم عَلَيهِم، وَيُمَهِّدُونَ لَهُمُ الأَمْرَ فِي ذَلِكَ- أَنَّ اللهَ تَعَالَى كَذَلِكَ! وَهَذَا القِيَاسُ مِن أَفْسَدِ الأَقْيسَةِ، وَهُوَ يَتَضَمَّنُ التَّسْوِيَةَ بَينِ الخَالِقِ وَالمَخْلُوقِ -مَعَ ثُبُوتِ الفَرْقِ العَظِيمِ عَقْلًا وَنَقْلًا وَفِطْرَةً-؛ فَإِنَّ المُلُوكَ إِنَّمَا احْتَاجُوا للوَسَاطَةِ بَينَهُم وَبَينَ رَعَايَاهُم لِأَنَّهُم لَا يَعْلَمُونَ أَحْوالَهُم؛ فَيَحْتَاجُ مَن يُعْلِمُهُم بِأَحْوَالِهِم، وَرُبَّمَا لَا يَكُونُ فِي قُلُوبِهِم رَحْمَةٌ لِصَاحِبِ الحَاجَةِ فَيُحْتَاجُ مَن يُعَطِّفُهُم عَلَيهِ وَيَسْتَرْحِمُهُ لَهُم، وَيَحْتَاجُونَ إِلَى الشُّفَعَاءِ وَالوُزَرَاءِ، وَيَخَافُونَ مِنْهُم فَيَقْضُونَ حَوَائِجَ مَن تَوَسَّطُوا لَهُم مُرَاعَاًة لَهُم، وَمُدَارَاةً لِخَوَاطِرِهِم، وَهُم أَيضًا فُقَرَاءُ قَدْ يَمْنَعُونَ لِمَا يَخْشَونَ مِن الفَقْرِ! وَأَمَّا الرَّبُّ تَعَالى؛ فَهُوَ الَّذِي أَحَاطَ عِلْمُهُ بِظَوَاهِرِ الأُمُورِ وَبَوَاطِنِها؛ الَّذِي لَا يَحْتَاجُ مَن يُخْبِرُهُ بِأَحْوَالِ رَعِيَّتِهِ وَعِبَادِهِ، وَهُوَ تَعَالَى أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ، وَأَجْوَدُ الأَجْوَدِينَ؛ لَا يَحْتَاجُ إِلَى أَحَدٍ مِن خَلْقِهِ يَجْعَلُهُ رَاحِمًا لِعِبَادِهِ، بَلْ هُوَ أَرْحَمُ بِهِم مِن أَنْفُسِهِم


=
لَهُ نَفْسُ الأَثَرِ كَمَا لَو أَنَّ ذَلِكَ المَحْبُوبَ هُوَ الَّذِي كَلَّمَكَ بِشَأْنِهِ؟! فَالأَوَّلُ غَائِبٌ؛ وَأَمَّا الثَّانِي فَشَافِعٌ، وَفيهِ أَيضًا بَيَانُ فَضْلِ اللهِ تَعَالَى بِاسْتِجَابَةِ دُعَاءِ الصَّالِحِينَ -إِنْ شَاءَ-؛ فَهِيَ فَضِيلَةٌ لِلدَّاعِي وَرَحْمَةٌ لِلمَدْعُوِّ. فَظَهَرَ الفَرْقُ وَالحَمْدُ للهِ.
(١) رَوَاهُ البُخَارِيُّ (٤٧٧١)، وَمُسْلِمٌ (٢٠٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>