للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ [يُونُس: ١٨].

وقَالَ تَعَالَى أَيضًا: ﴿وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقًا مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ شَيئًا وَلَا يَسْتَطِيعُونَ * فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ [النَّحْل: ٧٣ - ٧٤] (١).

د- أَنَّ صَلَاحَ الصَّالِحِينَ هُوَ أَمْرٌ يَتَعَلَّقُ بِهِم وَحْدَهُم، فَكَيفَ يَتَوَسَّلُ -المُجِيزُونَ- بِعَمَلٍ لَيسَ مِنْ عَمَلِهِم؟! فَإِنَّمَا صَلَاحُ الصَّالِحِينَ رَاجِعٌ إِلَيهِم، وَهَذَا بِخِلَافِ التَّوَسُّلِ المَشْرُوعِ بِالعَمَلِ الصَّالِحِ كَمَا سَبَقَ (٢).


(١) قَالَ الإِمَامُ العِزُّ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي رِسَالَةِ الوَاسِطَةُ (ص ٥): "وَمَنْ أَثْبَتَ الأَنْبِيَاءَ وَسِوَاهُم مِنَ مَشَايخِ العِلْمِ وَالدِّينِ وَسَائِطَ بَينَ اللهِ وَبَينَ خَلْقِهِ كَالحُجَّابِ الَّذِينَ بَينَ المَلِكِ وَرَعِيَّتِهِ بِحَيثُ يَكُونُونُ هُم يَرْفَعُونَ إِلَى اللهِ تَعَالَى حَوَائِجَ خَلْقِهِ؛ وَأَنَّ اللهَ تَعَالَى إِنَّمَا يَهْدِي عِبَادَهُ وَيَرْزُقَهُم وَيَنْصُرَهُم بِتَوَسُّطِهِم؛ بِمَعْنَى أَنَّ الخَلْقَ يَسْأَلُونَهُم وَهُم يَسْأَلُونَ اللهَ كَمَا أَنَّ الوَسَائِطَ عِنْدَ المُلُوكِ يَسْأَلونَ المَلِكَ حَوَائِجَ النَّاسِ لِقُرْبِهِم مِنْهُم وَالنَّاسُ يَسْأَلونَهُم أَدَبًا مِنْهُم أَنْ يُبَاشِرُوا سُؤَالَ المَلِكِ؛ وَلِأَنَّ طَلَبَهُم مِنَ الوَسَائِطِ أَنْفَعُ لَهُم مِنْ طَلَبِهِم مِنَ المَلِكِ لِكَونِهِم أَقْرَبَ إِلَى المَلِكِ مِنَ [الطَّالِبِ]! فَمَنْ أَثْبَتَهُم وَسَائِطَ عَلَى هَذِهِ الوُجُوهِ؛ فَهُوَ كَافِرٌ مُشْرِكٌ، يَجِبُ أَنْ يُسْتَتَابَ؛ فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ، وَهَؤُلَاءِ مُشَبِّهُونَ للهِ، شَبَّهُوا الخَالِقَ بِالمَخْلُوقِ، وَجَعَلُوا للهِ أَنْدَادًا". مُسْتَفَادٌ مِنْ كِتَابِ (التَّوَسُّلُ) (ص ١٣٣) لِلشَّيخِ الأَلْبَانِيِّ .
(٢) وَأَمَّا التَّوَسُّلُ بِأَسْمَاءِ اللهِ تَعَالَى وَصِفَاتِهِ؛ فَقَد دَلَّتْ عَلَيهِ الشَّرِيعَةُ، وَفِيهِ بَيَانُ فَضْلِ اللهِ تَعَالَى الرَّحْمَن ِالرَّحِيمِ عَلَى خَلْقِهِ بِأَنْ جَعَلَ لَهُم مِنَ الأَسْبَابِ الشَّرْعِيَّةِ مَا يُقَرِّبُ إِجَابَةَ دُعَائِهِم مِنْهُ .
وَأَمَّا التَّوَسُّلُ بِدُعَاءِ الرَّجُلِ الصَّالِحِ؛ فَصَحِيحٌ أَنَّ صَلَاحَهُم أَيضًا يَتَعَلَّقُ بِهِم وَحْدَهُم مِنْ حَيثُ الأَجْرِ وَالثَّوَابِ، وَلَكِنَّهُ مِنْ حَيثُ الثَّمَرَةِ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِم وَحْدَهُم! لِأَنَّهُ عَمَلٌ صَالِحٌ مُتَعَدٍّ إِلَى الغَيرِ، فَهُوَ -مِنْ جِهَةِ تَعَدِّي ثَمَرَةِ الصَّلَاحِ إِلَى الغَيرِ- هُوَ كَحُسْنِ الجِوَارِ، وَإِمَاطَةِ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ، وَإِطْعَامِ الفُقَرَاءِ وَالمَسَاكِينَ، فَهَذَا كُلُّهُ -مِنْ جِهَةِ الثَّمَرَةِ- مُخَالِفٌ لِمَسْأَلَةِ جَاهِهِم وَشَرَفِهِم، لِأَنَّ الأَخِيرَ مُخْتَصٌّ بِهِم، وَلَكِنَّهُ إِنْ تَحَلَّى بِالدُّعَاءِ فَهُوَ حَرِيٌّ بِالإِجَابَةِ، فَلَو أَنَّ رَجُلًا تَوَسَّلَ إِلَيكَ بِجَاهِ مَحْبُوبٍ عِنْدَكَ؛ هَلْ يَكُونُ
=

<<  <  ج: ص:  >  >>