للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَفِي الآيَةِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ تِلْكَ العِبَادَاتِ هِيَ مِمَّا تَلَبَّسَ بِهَا المُشْرِكُونَ تُجَاهَ مَعْبُودِيهِم؛ فَبَيَّنَ تَعَالَى أَنَّهَا للهِ، وَأَنَّ مَعْبُودَاتِهِم أَنْفُسَهُم هُمْ مُتَلَبِّسُونَ بِهَا للهِ تَعَالَى وَحْدَهُ.

وَفِي الآيَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ تَخْصِيصَ تِلْكَ الأُمُورِ بِالذِّكْرِ يَدُلُّ عَلَى كَونِهَا أَرْكَانًا لِلعُبُودِيَّةِ، وَقَدْ سَبَقَ ذِكْرُ أَنَّ التَّعْبِيرَ بِالشَّيءِ عَنِ الشَّيءِ يَدُلُّ عَلَى كَونِهِ رُكْنًا فِيهِ.

- أَورَدَ البُخَارِيُّ فِي (صَحِيحِهِ) (١) فِي كِتَابِ تَفْسِيرِ القُرْآنِ -بَابُ قَولِهِ تَعَالَى: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ﴾ - عَنْ عَبْدِ اللهِ (٢) فِي هَذِهِ الآيَةِ ﴿الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ﴾ قَالَ: (كَانَ نَاسٌ مِنَ الجِنِّ يُعْبَدُونَ فَأَسْلَمُوا) (٣) (٤)

- قَولُهُ تَعَالَى: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ﴾ يَدْعُونَ أَي: يَعْبُدُونَ، وَقَدْ سَبَقَ أَنَّ الدُّعَاءَ نَوعَانِ: دُعَاءُ مَسْأَلَةٍ، وَدُعَاءُ عِبَادَةٍ (٥).


(١) البُخَارِيُّ (٦/ ٨٦).
(٢) هُوَ ابْنُ مَسْعُودٍ .
(٣) وَفِي رِوَايَةٍ لِلبُخَارِيِّ (٤٧١٤) أَيضًا: (كَانَ نَاسٌ مِنَ الإِنْسِ يَعْبُدُونَ نَاسًا مِنَ الجِنِّ؛ فَأَسْلَمَ الجِنُّ وَتَمَسَّكَ هَؤُلَاءِ بِدِينِهِم).
قَالَ الحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ فِي الفَتْحِ (٨/ ٣٩٧): "اسْتَمَرَّ الإِنْسُ الَّذِينَ كَانُوا يَعْبُدُونَ الجِنَّ عَلَى عِبَادَةِ الجِنِّ -وَالجِنُّ لَا يَرْضَونَ بِذَلِكَ لِكَونِهِمْ أَسْلَمُوا- وَهُم الَّذِينَ صَارُوا يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الوَسِيلَةَ، وَرَوَى الطَّبَرِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرٍ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ فَزَادَ فِيهِ (وَالإِنْسُ الَّذِينَ كَانُوا يَعْبُدُونَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ بِإِسْلَامِهِمْ!)، وَهَذَا هُوَ المُعْتَمَدُ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الآيَةِ".
(٤) وَفِي تَفْسِيرِ الطَّبَرِيِّ (١٧/ ٤٧٤) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الآيَةِ: أَنَّهَا فِي عِيسَى وَمَرْيَمَ وَالعُزَير وَالمَلَائِكَةِ، وَهَذَا مِنِ ابْن عَبَّاسٍ -وَمَا سَبَقَهُ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ- هُوَ مِنْ بَابِ تَفْسِيرِ التَّنَوُّعِ.
(٥) هُنَا وَإِنْ كَانَ المَعْنَى العَامُّ أَنَّهُ دُعَاءُ عِبَادَةٍ؛ فَهُوَ أَيضًا مُتَضَمِّنٌ لِدُعَاءِ المَسْأَلَةِ، كَمَا فِي الحَدِيثِ ((الدُّعَاءُ هُوَ العِبَادَةُ)). صَحِيحٌ. أَحْمَدُ (١٨٤٣٦) عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ مَرْفُوعًا. صَحِيحُ الجَامِعِ (٣٤٠٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>