للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

- قَولُهُ: ﴿إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي﴾ ذَكَرَ الفَطْرَ دُونَ غَيرِهِ؛ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ التَّذْكِيرُ بِأَنَّه إِنَّمَا يَسْتَحِقُّ العِبَادَةَ مَنْ فَطَرَ (١)، أَمَّا مَنْ لَمْ يَفْطِرْ وَلَمْ يَخْلُقْ شَيئًا؛ فَإِنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ شَيئًا مِنَ العِبَادَةِ، وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى الاسْتِدْلَالِ بِالرُّبُوبِيَّةِ عَلَى تَوحِيدِ الأُلُوهِيَّةِ.

- قَولُهُ: ﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ الرَّبُّ هُنَا هُوَ المَعْبُودُ، وَهَذَا عَلَى قَاعِدَةِ المُتَرَادِفَاتِ فِي اللُّغَةِ وَالَّتِي إِذَا اجْتَمَعَت افْتَرَقَتْ؛ وَإِذَا افْتَرَقَت اجْتَمَعَتْ (٢).

وَدَلَّ لِذَلِكَ أَيضًا حَدِيثُ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ الطَّائِيِّ عِنْدَمَا قَالَ: (إِنَّا لَسْنَا نَعْبُدُهُم!) وَهَذَا النَّوعُ مِنَ الشِّرْكِ هُنَا هُوَ شِرْكُ الطَّاعَةِ، وَسَيَأْتِي فِيهِ تَفْصِيلٌ إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى (٣).

وَحَدِيثُ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ بِتَمَامِهِ هُوَ: أَتِيتُ النَّبِيَّ -وَفِي عُنُقِي صَلِيبٌ مِنْ ذَهَبٍ-، فَقَالَ: ((يَا عَدِيُّ، اطْرَحْ عَنْكَ هَذَا الوَثَنَ))، وَسَمِعْتُهُ يَقْرَأُ فِي سُورَةِ بَرَاءَةَ ﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾، قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ؛ إِنَّهُم لَمْ يَعْبُدُوهُم! فَقَالَ: ((بَلَى، إِنَّهُم حَرَّمُوا عَلَيهِمُ الحَلَالَ وَأَحَلُّوا لَهُمُ الحَرَامَ فَاتَّبَعُوهُم؛ فَذَلِكَ عِبَادَتُهُم إِيَّاهُم)) (٤).


(١) "فَطَرَ اللهُ الخَلْقَ يَفْطُرُهُم: خَلَقَهُمْ وَبَدَأَهُم". لِسَانُ العَرَبِ (٥/ ٥٦).
(٢) كَالإِسْلَامِ وَالإِيمَانِ، وَالفَقِيرِ وَالمِسْكِينِ.
(٣) قَالَ الشَّيخُ ابْنُ عُثَيمِين فِي كِتَابِهِ القَولُ المُفِيدُ (١/ ١٦٠): "وَالشَّيخُ جَعَلَ شِرْكَ الطَّاعَةِ مِنَ الأَكْبَرِ، وَهَذَا فِيهِ تَفْصِيلٌ، وَسَيَأْتِي إِنْ شَاءَ اللهُ فِي بَابِ (مَنْ أَطَاعَ الأُمَرَاءَ وَالعُلَمَاءَ فِي تَحْلِيلِ مَا حَرَّمَ اللهُ أَو تَحْرِيمِ مَا أَحَلَّ اللهُ فَقَد اتَّخَذَهُم أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللهِ) ".
(٤) صَحِيحٌ. الطَّبَرَانِيُّ فِي الكَبِيرِ (١/ ٩٢) وَالتِّرْمِذِيُّ (٣٠٩٥) وَحَسَّنَهُ. الصَّحِيحَة (٣٢٩٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>