الموضعين متعلِّقًا باختياره تعالى وإرادته، فإنه الحكيمُ في خلقه وأمره؛ فإذا عَلِم في الفعل مصلحةً راجحةً شرعه وأحبَّه وفرضه، وإذا عَلِم فيه مفسدةً راجحةً كَرِهه وأبغضه وحرَّمه.
هذا في شرعه.
وكذلك في خلقه؛ لم يفعل شيئًا إلا ومصلحتُه راجحةٌ وحكمتُه ظاهرة، واشتمالُه على المصلحة والحكمة التي فَعَله لأجلها لا ينافي اختيارَه، بل لا يتعلَّق بالفعل إلا لما فيه من المصلحة والحكمة، وكذلك تركُه لما فيه من خلاف حكمته.
فلا يلزمُ من تعلُّق الحكم بالراجح أن لا يكون الحكمُ اختياريًّا؛ فإنَّ المختار الذي هو أحكمُ الحاكمين لا يختار إلا ما يكونُ على وَفْقِ الحكمة والمصلحة.
الثَّالث: أنَّ قوله: «إذا لَزِم تعلُّق الحكم بالراجح لم يكن مختارًا»(١) تلبيسٌ؛ فإنه إنما تعلَّق بالراجح باختياره وإرادته، واختيارُه وإرادتُه اقتضت تعلُّقه بالراجح على وجه اللزوم، فكيف لا يكونُ مختارًا واختيارُه استلزم تعلُّق الحكم بالراجح؟!
الرابع: أنَّ تعلُّق حكمه تعالى بالفعل المأمور به أو المنهيِّ عنه: إمَّا أن يكون جائزَ الوجود والعدم، أو راجحَ الوجود، أو راجحَ العدم.
فإن كان جائزَ الطَّرفين لم يترجَّح أحدُهما إلا بمرجِّح، وإن كان راجحًا فالتَّعلُّق لازم؛ لأنَّ الحكمَ يمتنعُ ثبوتُه مع المساواة ومع المرجوحية.
(١) حكى المصنف القول بالمعنى، وقد تقدَّم بلفظٍ آخر.