للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أمَّا الأوَّل؛ فلاستلزامه التَّرجيحَ بلا مرجِّح.

وأمَّا الثَّاني؛ فلاستلزامه ترجيحَ المرجوح؛ وهو باطلٌ بصريح العقل، فلا يثبتُ إلا مع المرجِّح التَّامِّ، وحينئذٍ فيلزم عدمُ الاختيار.

وما تجيبون به عن الإلزام المذكور هو جوابكم بعينه عن شبهتكم التي استدللتُم بها (١).

الخامس: أنَّ هذه الشبهة الفاسدة مستلزمةٌ لأحد الأمرين ولا بدَّ: إمَّا التَّرجيح بلا مرجِّح، وإمَّا أن لا يكونَ الباري تعالى مختارًا كما قررتم. وكلاهما باطل.

السَّادس: أنها تقتضي أن لا يكونَ في الوجود قادرٌ مختارٌ إلا من يرجِّحُ أحدَ المتساويين على الآخر بلا مرجِّح، وأمَّا من رجَّح أحدَ الجائزين بمرجِّحٍ فلا يكونُ مختارًا. وهذا مِنْ أبطل الباطل، بل القادرُ المختارُ لا يرجِّحُ أحدَ مقدُورَيْه على الآخر إلا بمرجِّح (٢)، وهو معلومٌ بالضرورة.

* واحتجَّ النُّفاة أيضًا بقوله تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} [الإسراء: ١٥]؛ ووجهُ الاحتجاج بالآية أنه سبحانه نفى التَّعذيبَ قبل بعثة الرُّسل، فلو كان حُسْنُ الفعل وقبحُه ثابتًا له قبل الشَّرع لكان مرتكبُ القبيح وتاركُ الحسن فاعلًا للحرام وتاركًا للواجب؛ لأنَّ قبحَه عقلًا يقتضي تحريمَه عقلًا عندكم، وحُسْنَه عقلًا يقتضي وجوبَه عقلًا، فإذا فَعَل المحرَّم وتَرك الواجبَ استحقَّ العذابَ عندكم، والقرآنُ نصٌّ صريحٌ أنَّ الله لا يعذِّبُ بدون بعثة الرُّسل.


(١) (ت): «استلزمتم بها».
(٢) (ق، د، ت): «على الآخر لا المرجح». والمثبت من (ط).