ولا ريب أنَّ الآية حجَّةٌ على تناقض المثبتين إذا أثبتوا التَّعذيبَ قبل البعثة، فيلزم تناقضهم وإبطالُ جَمْعِهم بين هذين الحكمين: إثبات الحُسْن والقُبْح عقلًا، وإثبات التَّعذيب على ذلك بدون البعثة.
وليس إبطالُ القول بمجموع الأمرين موجبًا لإبطال كلِّ واحدٍ منهما، فلعلَّ الباطل هو قولهم بجواز التَّعذيب قبل البعثة. وهذا هو المتعيِّن؛ لأنه خلافُ نصِّ القرآن، وخلافُ صريح العقل أيضًا، فإنَّ الله سبحانه إنما أقام الحجَّة على العباد برسله؛ قال تعالى:{رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ}[النساء: ١٦٥]، فهذا صريحٌ بأنَّ الحجَّة إنما قامت بالرُّسل، وأنه بعد مجيئهم لا يكونُ للنَّاس على الله حجَّة، وهذا يدلُّ على أنه لا يعذِّبهم قبل مجيء الرُّسل إليهم؛ لأنَّ الحجَّة حينئذٍ لم تقُم عليهم.
فالصَّوابُ في هذه المسألة إثباتُ الحُسْن والقُبح عقلًا، ونفيُ التَّعذيب على ذلك إلا بعد بعثة الرُّسل، فالحُسْن والقُبح العقليُّ لا يستلزمُ التَّعذيب، وإنما يستلزمه مخالفةُ المرسَلين.
وأمَّا المعتزلةُ فقد أجابوا عن ذلك بأن قالوا: الحُسْن والقُبح العقليُّ يقتضي استحقاقَ العقاب على فعل القبيح وتركِ الحسن، ولا يلزم من استحقاق العقاب وقوعُه؛ لجواز العفو عنه.