للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قالوا: ولا يَرِدُ هذا علينا حيث نَمْنَعُ (١) العفوَ بعد البعثة إذا أوعَد الربُّ على الفعل؛ لأنَّ العذابَ قد صار واجبًا بخبره، ومستَحقًّا بارتكاب القبيح، وهو سبحانه لم يحصُل منه إيعادٌ قبل البعثة، فلا يقبُح العفو؛ لأنه لا يستلزم خُلْفًا في الخبر، وإنما غايتُه تركُ حقٍّ له قد وجب قبل البعثة، وهذا حسن.

والتحقيقُ في هذا أنَّ سببَ العقاب قائمٌ قبل البعثة، ولكن لا يلزمُ من وجود سبب العذاب حصولُه؛ لأنَّ هذا السَّببَ قد نَصَبَ اللهُ له شرطًا وهو بعثةُ الرُّسل، وانتفاءُ التَّعذيب قبل البعثة هو لانتفاء شرطه، لا لعدم سببه ومقتضِيه.

وهذا فصلُ الخطاب في هذا المقام، وبه يزولُ كلُّ إشكالٍ في المسألة وينقشعُ غَيْمُها ويُسْفِرُ صُبْحُها، والله الموفق للصَّواب.

* واحتجَّ بعضهم أيضًا بأن قال: لو كان الفعلُ حسنًا لذاته لامتنع من الشارع نسخُه قبل إيقاع المكلَّف له وقبل تمكُّنه منه؛ لأنه إذا كان حسنًا لذاته فهو مَنْشَأٌ للمصلحة الراجحة، فكيف يُنْسَخُ ولم تحصُل منه تلك المصلحة؟!

وأجاب المعتزلةُ عن هذا بالتزامه، ومَنَعوا النَّسخَ قبل وقت الفعل (٢)، ونازعهم جمهورُ هذه الأمَّة في هذا الأصل، وجوَّزوا وقوع النَّسخ قبل


(١) (ت، ق): «يمنع».
(٢) انظر: «المعتمد» لأبي الحسين البصري (١/ ٤٠٧)، و «منهاج الوصول إلى معيار العقول» لابن المرتضى (٤٤٠)، و «مجموع الفتاوى» (١٤/ ١٤٦، ١٧/ ١٩٨)، و «الأصفهانية» (٧٠٥).