للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأمعَن وراءه، وركضَ خلفَه جوادَه، ونهى من معه أن يتبعَه، حتى إذا أوغَل في تلك الفِجَاج الخاوية، والمدارج المتنائية، وتباعدَ عن مَتْنِ الجادَّة وَوَضَح المحجَّة، صادفَ إنسانًا، فوقفَ وحاورَه وفاوضَه، فوجده حصيفًا محصِّلًا يتَّقِدُ فهمًا وإفهامًا، فقال له: أفيك خير؟

فقال: نعم، وهل الخيرُ إلا فيَّ وعندي وإلا معي؟! أَلْقِ إليَّ ما بدا لك، وخلِّني وذلك.

فقال له: إنَّ الواقفَ عليك المكلِّمَ لك ملكُ هذا الإقليم، فلا تُرَعْ واهدَأ.

فقال: السعادةُ قيَّضتني لك، والجَدُّ أطلعكَ عليَّ.

فيقول له المَلِك: إني أريدُ أن أصطنعك (١) لأربٍ في نفسي، وأبلُغَ بك إن بلَغْتَ لي ذلك، أريدُ أن تكون عينًا لي وصاحبًا لي نصوحًا، واطْوِ سرِّي عن سانِح فؤادك فضلًا عن غيره.

فإذا بلغ منه التَّوثِقة والتَّوكيد ألقى إليه ما يأمره به ويحثُّه على السعي فيه، وأزاحَ علَّتَه في جميع ما يتعلَّقُ المرادُ به، ثمَّ ثنى عنانَ دابته إلى وجه عسكره وأوليائه ولحقَ بهم، فقضى وَطَرَه، ثمَّ عادَ إلى سريره، وليس عند أحدٍ من رهطه وبطانته وغاشيته وخاصَّته وعامَّته علمٌ بما قد أسرَّه إلى ذلك الإنسان.

فبينما الناسُ على مَكِناتهم (٢) وغَفَلاتهم إذ أصبحوا ذات يومٍ عن حادثٍ


(١) مهملة في (ق). «المقابسات»: «أصطفيك». والمثبت من (د، ت).
(٢) أمكنتهم. وفي «المقابسات»: «سكناتهم».