للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والاستغراب، وتناسي الخطأ.

قال: ومن ذا الذي يتحدَّثُ أنه سأل منجِّمًا فأخطأ؟! وإنما الذي يُتَحَدَّثُ به ويُنقَلُ أنه سأله فأصاب.

قال: والصوابُ في المسألة إذا كان بين أمرين، قد يقعُ للمعتوه والطِّفل، فضلًا عن أولي العقل (١).

وقد تقدَّم من بطلان الطِّيَرة وكذبها ما فيه كفاية.

وقد كانت عائشةُ أمُّ المؤمنين رضي الله تستحبُّ أن تتزوَّج المرأةُ أو يُبنى بها في شوَّال، وتقول: ما تزوجني رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - إلا في شوَّال، فأيُّ نسائه كان أحظى عنده منِّي؟! (٢)، مع تطيُّر الناس بالنكاح في شوَّال.

وهذا فعلُ أولي العزم والقوَّة من المؤمنين، الذين صحَّ توكُّلهم على الله، واطمأنت قلوبُهم إلى ربِّهم، ووثقوا به، وعلموا أنَّ ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، وأنهم لن يصيبهم إلا ما كتبَ الله لهم، وأنهم ما أصابهم من مصيبةٍ إلا وهي في كتابٍ (٣) من قبل أن يخلُقهم ويُوجِدَهم، وعلموا أنه لا بدَّ أن يصيروا إلى ما كتبه وقدَّره، ولا بدَّ أن يجري عليهم، وأنَّ تطيُّرهم لا يردُّ قضاءَه وقدرَه عنهم، بل قد يكونُ تطيُّرهم من أعظم الأسباب التي يجري عليهم بها القضاءُ والقدر، فيُعِينونَ على أنفسهم، وقد جرى لهم القضاءُ والقدر بأنَّ نفوسَهم هي سببُ إصابة المكروه لهم، فطائرُهم معهم.


(١) انظر: «القول في علم النجوم» للخطيب (١٩٣)، و «رسائل الجاحظ» (٣/ ٢٦١).
(٢) تقدم تخريجه (ص: ١٥٤٦).
(٣) (ص): «في كتاب الله».