للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عطاسًا فيتشاءم به.

وكانوا إذا عَطس من يحبُّونه قالوا له: عُمْرًا وشبابًا، وإذا عَطس من يبغضونه قالوا له: وَرْيًا وقُحَابًا (١). والوَرْي ــ كالرَّمْي ــ: داءٌ يصيبُ الكبد فيفسدُها، والقُحَاب كالسُّعال، وزنًا ومعنى.

وكان الرجلُ إذا سَمِع عطاسًا يتشاءمُ به، يقول: بكَ لا بي، أي: أسألُ الله أن يجعل شؤمَ عطاسك بكَ لا بي.

وكان تشاؤمهم بالعَطْسة الشَّديدة أشدَّ، كما يحكى عن بعض الملوك أنَّ مسامرًا له عطسَ عطسةً شديدةً راعَتْه، فغضبَ الملك، فقال سميرُه: والله ما تعمَّدتُ ذلك، ولكنَّ هذا عُطاسي، فقال: والله لئن لم تأتني بمن يشهدُ لك بذلك لأقتلنَّك، فقال: أخرِجني إلى الناس لعلِّي أجدُ من يشهدُ لي، فأخرجَه، وقد وكَّل به الأعوان، فوجدَ رجلًا، فقال: يا سيِّدي نشدتُك بالله، إن كنتَ سمعتَ عُطاسي يومًا تشهدُ لي به عند الملك، فقال: نعم، أنا أشهدُ لك، فنهَض معه، وقال: أيها الملك، أنا أشهدُ أنَّ هذا الرجل عطسَ يومًا فطار ضرسٌ من أضراسه! فقال له الملك: عُد إلى حديثك ومجلسك (٢).

فلمَّا جاء الله سبحانه بالإسلام، وأبطَل رسوله - صلى الله عليه وسلم - ما كان عليه الجاهليةُ من الضلال؛ نهى أمَّته عن التشاؤم والتطيُّر، وشرَع لهم أن يجعلوا مكانَ الدعاء على العاطس بالمكروه دعاءً له بالرحمة، كما أمر العائن أن يدعو بالتبريك للمَعِين.


(١) انظر: «البصائر والذخائر» (٨/ ١٣٥). والمشهور أنَّ ذلك يقال عند السعال. انظر: «أمالي القالي» (٢/ ٢٢١)، و «تهذيب اللغة» (٤/ ٧٤)، وغيرهما.
(٢) انظر: «الأغاني» (٣/ ٤٧)، و «التذكرة الحمدونية» (٩/ ٣٩٠).