للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كفى وشفى ما في الفؤاد فلم يَدَعْ ... لذي أرَبٍ في القول جدًّا ولا هَزْلا (١)

وجعلَت جيوشُ الكلام بعد ذلك تفدُ إليَّ (٢) كما كانت، وتتزاحمُ في صدري، ولا يأذنُ لها القلبُ بالدخول فيه، ولا تلقى منه إقبالًا ولا قبولًا، فترجعُ على أدبارها.

والمقصودُ أنَّ القرآن مملوءٌ بالاحتجاج، وفيه جميعُ أنواع الأدلَّة والأقيسة الصحيحة.

وأمر الله تعالى رسولَه - صلى الله عليه وسلم - فيه بإقامة الحجَّة والمجادلة؛ فقال تعالى: {وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل: ١٢٥]، وقال: {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [العنكبوت: ٤٦].

وهذه مناظراتُ القرآن مع الكفار موجودةٌ فيه، وهذه مناظراتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه لخصومهم، وإقامةُ الحجج عليهم، لا ينكرُ ذلك إلا جاهلٌ مُفْرِطٌ في الجهل.

والمقصودُ الفرقُ بين الحجج والبيِّنات (٣)، فنقول: الحُجج: الأدلةُ العلمية، والبيِّنات: جمعُ بيِّنة، وهي صفةٌ في الأصل، يقال: آيةٌ بيِّنة، وحجةٌ بيِّنة.

والبيِّنة: اسمٌ لكل ما يبيِّن الحقَّ، من علامةٍ منصوبةٍ أو أمارةٍ أو دليلٍ


(١) البيت لحسان بن ثابت يمدحُ عبد الله بن عباس رضي الله عنهم، من كلمةٍ في ديوانه (١/ ٣٣١). وانظر: «المنتقى من أخبار الأصمعي» (٦٩).
(٢) (ت، د، ق): «تنفذ إلي».
(٣) انظر: «مدارج السالكين» (٢/ ٣٣٦).