للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بطريق الأولى، ووجهُ الأولويَّة أنَّ اقتضاءه لأثره أشدُّ من منعه تأثيرَ غيره، فإذا قَوِي على سَلْبه للأقوى فسلبُه للأضعف (١) أولى وأحرى.

فإن قيل: هذا ينتقضُ بكلِّ مانعٍ يمنعُ تأثير العلَّة في معلولها، وهو باطلٌ قطعًا.

قيل: لا ينتقضُ بما ذكرتم، والنقضُ مندفع؛ فإنَّ العلَّة والمانع ههنا لم يتدافعا ويتصادما، ولكنَّ المانع أضعفَ العلَّة، فبطل تأثيرُها، فهو عائقٌ لها عن الاقتضاء. وأمَّا في مسألتنا فالعلَّتان متصادمتان متعارضتان، كلٌّ منهما تقتضي أثرَها، فلو بطل أثرُهما لكانت كلُّ واحدةٍ مؤثِّرةً غير مؤثِّرة، غالبةً مغلوبة، مانعةً ممنوعة، وهذا يمتنع، وهو دليلٌ (٢) يشبه دليل التمانع (٣).

وسرُّ الفرق أنَّ العلَّة الواحدة إذا قارنها مانعٌ منع تأثيرَها لم تَبْقَ مقتضيةً له، بل المانعُ عاقَها عن اقتضائها، وهذا غيرُ ممتنع، وأمَّا العلَّتان المتمانعتان اللتان كلٌّ منهما مانعةٌ للأخرى من تأثيرها فإنَّ تمانعهما وتقابلهما يقتضي إبطال كلِّ واحدةٍ منهما للأخرى، وتأثيرَها فيها، وعدمَ تأثيرها معًا، وهو جمعٌ بين النقيضين؛ لأنها إذا بطلت لم تكن مؤثِّرة، وإذا لم تكن مؤثِّرةً لم تُبطِل غيرَها، فتكونُ كلٌّ منهما مؤثِّرةً غيرَ مؤثِّرة، باطلةً غيرَ باطلة، وهذا محال؛ فثبتَ أنهما لا بدَّ أن تؤثِّر إحداهما في الأخرى بقوَّتها فيكون الحكمُ لها.

فإن قيل: فما تقولون فيمن توسَّط أرضًا مغصوبةً، ثمَّ بدا له في التَّوبة،


(١) (ت): «سلبه الأقوى فسلبه الأضعف».
(٢) (ت): «وهذا دليل».
(٣) تقدمت الإشارة إليه (ص: ٥٨٨).