للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

طلبوا لها من بقاع الأرض وبلدان الأقاليم أصحها تربة وأقلها عفونة، وأبعدها من الزلازل والخسوف، وأهلكها طيناً، وأبقاها على الدهر بناء. فانتفضوا بلاد المملكة وبقاعها، فلم يجدوا تحت أديم السماء بلداً أجمع لهذه الأوصاف من أصفهان. ثم فتشوا عن بقاع هذا البلد فلم يجدوا فيها أفضل من رستاق جي، ولا وجدوا في رستاق جي أجمع لما راموه من الموضع الذي اختط من بعد فيه بدهر داهر مدينة جى، فجاءوا إلى قهندز، هو فى داخل مدينة جي، فأودعوه علومهم. وقد بقي إلى زماننا هذا، وهو يسمى سارويه، ومن جهة هذه البنية درى الناس من كان بانيها، وذلك انه لما كان قبل زماننا هذا بسنين كثيرة، تهدمت من هذه المصنعة ناحية، فظهروا فيها على أزج معقود من طين الشقيق، فوجدوا فيه كتباً كثيرة من كتب الأوائل مكتوبة كلها في لحاء التوز، مودعة أصناف علوم الأوائل بالكتابة الفارسية القديمة، فوقع بعض تلك الكتب إلى من عني به فقرأه فوجد فيه كتاباً لبعض ملوك الفرس المتقدمين، يذكر فيه أن طهمورث الملك المحب للعلوم وأهلها كان انتهى إليه قبل الحدث المغربي الذي كان من جهة الجو خبره في تتابع الأمطار هناك، وإفراطها في الدوام والغزارة، وخروجها عن الحد والعادة، وأنه كان من أول يوم من سني ملكه إلى أول يوم من بدء هذا الحدث المغربي مائتان وإحدى وثلاثون سنة وثلاثمائة يوم، وأن المنجمين كانوا يخوفونه من أول ابتداء ملكه تعدي هذا الحدث من جانب المغرب إلى ما يليه من جانب المشرق، فأمر المهندسين بايقاع الاختيار على أصح البقاع في المملكة تربة وهواء، فاختاروا له موضع البنية المعروفة بسارويه، وهي قائمة إلى الساعة داخل مدينة جي، فأمر بابتناء هذه البنية الوثيقة، فلما فرغ له منها نقل إليها من خزائنه علوماً كثيرة مختلفة الأجناس، فحولت له إلى لحاء التوز، فجعلها في جانب من ذلك البيت لتبقى للناس بعد احتباس هذا الحدث، وأنه كان فيها كتاب منسوب إلى بعض الحكماء المتقدمين فيه سنون وأدوار