وكان أحنف الرجل، وقيل أن أصل أبيه من همدان، انتقل إلى بابل، وكان ينزل المداين في الموضع الذي يسمى طيسفون وبها بيت الأصنام، وكان فتق يحضر، كما يحضر سائر الناس، فلما كان في يوم من الأيام هتف به من هيكل بيت الأصنام هاتف: يا فتق! لا تأكل لحماً! ولا تشرب خمراً! ولا تنكح بشراً! تكرر ذلك عليه دفعات في ثلاثة أيام. فلما رأى فتق ذلك لحق بقوم كانوا بنواحي دستميسان يعرفون بالمغتسلة، وبتيك النواحي والبطائح بقاياهم إلى وقتنا هذا، وكانوا على المذهب الذي أمر فتق بالدخول فيه، وكانت امرأته حاملاً بماني، فلما ولدته زعموا: كانت ترى له المنامات الحسنة، وكانت ترى في اليقظة كأن آخذا يأخذه فيصعد به إلى الجو، ثم يرده، وربما أقام اليوم واليومين ثم يرد، ثم أن أباه أنفذ فحمله إلى الموضع الذي كان فيه، فربي معه، وعلى ملته، وكان يتكلم ماني، على صغر سنه، بكلام الحكمة، فلماتم له اثنتا عشرة سنة أتاه الوحي، على قوله، من ملك جنان النور، وهو الله تعالى، عما يقوله، وكان الملك الذي جاءه بالوحي يسمى التوم، وهو بالنبطية، ومعناه القرين، فقال له: اعتزل هذه الملة! فلست من أهلها، وعليك بالنزاهة وترك الشهوات، ولم يأن لك أن تظهر، لحداثة سنك. فلماتم له أربع وعشرون سنة أتاه التوم فقال: قد حان لك أن تخرج فتنادي بأمرك!
[الكلام الذي قاله له التوم]
عليك السلام، ماني، مني ومن الرب الذي أرسلني إليك، واختارك لرسالته، وقد أمرك أن تدعو بحقك، وتبشر ببشرى الحق من قبله، وتحتمل في ذلك كل جهدك! قالت المانوية، فخرج يوم ملك سابور بن أردشير، ووضع التاج على رأسه، وهو يوم الأحد أول يوم من نيسان، والشمس في الحمل، ومعه رجلان قد تبعاه على مذهبه، أحدهما يقال له شمعون، والآخر زكوا، ومعه أبوه ينظر ما يكون من أمره