في التوحيد، كتبها لابنه، على غاية من اتقانه في التوحيد، لا يجد الفيلسوف إذا أتعب نفسه، مندوحة عنها والقول بها
[حكاية أخرى في أمرهم]
قال أبو يوسف ايشع القطيعي النصراني في كتابه في الكشف عن مذاهب الحرنانيين المعروفين في عصرنا بالصابة: أن المأمون اجتاز في آخر أيامه بديار مضر، يريد بلاد الروم للغزو، فتلقاه الناس يدعون له، وفيهم جماعة من الحرنانيين، وكان زيهم إذ ذاك لبس الأقبية، وشعورهم طويلة بوفرات كوفرة قرة جد سنان بن ثابت، فأنكر المأمون زيهم، وقال لهم: من أنتم من الذمة؟ فقالوا: نحن الحرنانية! فقال: أنصاري أنتم؟ قالوا لا! قال فيهود أنتم؟ قالوا لا! قال فمجوس أنتم؟ قالوا لا! قال لهم أفلكم كتاب أم نبي؟ فمجمجوا في القول. فقال لهم: فأنتم إذا الزنادقة، عبدة الأوثان، وأصحاب الرأس في أيام الرشيد والدي! وأنتم حلال دماؤكم، لا ذمة لكم! فقالوا: نحن نؤدي الجزية! فقال لهم إنما تؤخذ الجزية ممن خالف الإسلام من أهل الأديان الذين ذكرهم الله ﷿ في كتابه، ولهم كتاب وصالحه المسلمون عن ذلك، فأنتم ليس من هؤلاء ولا من هؤلاء، فاختاروا الآن أحد أمرين: إما أن تنتحلوا دين الإسلام أو دينا من الأديان التي ذكرها الله في كتابه، وإلا قتلتكم عن آخركم! فإني قد أنظرتكم إلى أن أرجع من سفرتي هذه، فإن أنتم دخلتم فى الاسلام أوفى دين من هذه الأديان التي ذكرها الله في كتابه، وإلا أمرت بقتلكم واستئصال شأفتكم! ورحل المأمون يريد بلد الروم، فغيروا زيهم، وحلقوا شعورهم، وتركوا لبس الأقبية، وتنصر كثير منهم، ولبسوا زنانير، وأسلم منهم طائفة، وبقي منهم شرذمة بحالهم، وجعلوا يحتالون ويضطربون حتى انتدب لهم شيخ من أهل حران فقيه، فقال لهم قد وجدت لكم شيئاً تنجون به وتسلمون من القتل، فحملوا اليه ما لا عظيماً من بيت ما لهم،