لم يكن التاريخ حاكما عادلا، يمنح للناس شهرة بنسبة أعمالهم، ويكافئهم على قدر استحقاقهم، فهذا رجل جمع صحائف من أقوال غيره ولفقها تلفيقا فمنحه التاريخ ألقابا ضخمة وخلد له ذكرا مطولا فى بطون الصحائف، وآخر كان نابغة حقا فى تفكيره وعمله ثم أهمله التاريخ فقل أن تجد له ذكرا، أو تعرف له حياة مفصلة ولعل أصدق ما ينطبق عليه هذا القول «ابن النديم» فكتابه «الفهرست» يدل على أنه كان رجلا فذا من نواحى مختلفة كما سنبينه، ثم تبحث فى كتب التراجم عن حياته وعمله فلا تظفر من ذلك بشئ له قيمة-فابن خلكان لم يترجم له مع أنه ترجم لمن لا يعد شيئا إذا قيس به من تاجر، ومالى، وفقيه، ومتصوف ومشعوذ، وسفاك دماء. وصاحب «فوات الوفيات» لم يذكره فيما استدركه على وفيات الأعيان، وأهملته كذلك أكثر كتب التراجم، ومن ذكره منهم ترجم له ترجمة ناقصة لا تفى بالغرض كما فعل ياقوت فى كتابه «معجم الادباء» فقد قال «محمد بن اسحاق النديم، كنيته أبو الفرج، وكنية ابيه أبو يعقوب. مصنف كتاب الفهرست الذى جوّد فيه واستوعب استيعابا يدل على اطلاعه على فنون من العلم وتحققه بجميع الكتب، ولا أبعد أن يكون قد كان وراقا يبيع الكتب. وذكر فى مقدمة هذا الكتاب أنه صنف في سنة ٣٧٧ وله من التصانيف: فهرست الكتب. كتاب التشبيهات. وكان شيعيا معتزليا»