ولت هاربة، وأخذوا ذلك الصديق وألبسوه التاج والإكليل واللباس، وأعطوه الركوة بيده، وعرجوا به في عمود السبح إلى فلك القمر، وإلى الإنسان القديم، وإلى النهنهة أم الأحياء، إلى ما كان عليه أولاً في جنان النور. ثم يبقى ذلك الجسد ملقى، فتجتذب منه الشمس والقمر والآلهة النيرون القوي التي هي الماء والنار والنسيم، فيرتفع إلى الشمس، ويصير إلهاً، ويقذف باقي جسده التي هي ظلمة كله إلى جهنم. فأما الإنسان المحارب القابل للدين والبر، الحافظ لهما وللصديقين، فإذا حضرت وفاته حضر أولئك الآلهة الذين ذكرتهم، وحضرت الشياطين واستغاث ومت بما كان يعمل من البر وحفظ الدين والصديقين، فيخلصونه من الشياطين، فلا يزال في العالم، شبه الإنسان الذي يرى في منامه الأهوال، ويغوص في الوحل والطين، فلا يزال كذلك إلى أن يتخلص نوره وروحه، ويلحق بملحق الصديقين، ويلبس لباسهم، بعد المدة الطويلة من تردده. فأما الإنسان الأثيم المستعلي عليه الحرص والشهوة، فإذا حضرت وفاته حضرته الشياطين، فأخذوه وعذبوه وأروه الأهوال، فيحضر أولئك الآلهة ومعهم ذلك اللباس، فيظن الإنسان الأثيم أنهم قد جاءوا لخلاصه وإنما حضروا لتوبيخه وتذكيره أفعاله وإلزامه الحجة في ترك إعانته الصديقين، ثم لا يزال يتردد في العالم في العذاب إلى وقت العاقبة، فيدحي به في جهنم.
قال ماني: فهذه ثلاث طرق يقسم فيه نسمات الناس أحدها إلى الجنان، وهم الصديقون، والثاني إلى العالم والأهوال، وهم حفظة الدين ومعينو الصديقين، والثالث إلى جهنم، وهو الإنسان الأثيم
[كيف حال المعاد بعد فناء العالم وصفة الجنة والجحيم]
قال: ثم أن الإنسان القديم يأتي من عالم الجدي والبشير من المشرق، والبناء الكبير من اليمن، وروح الحياة من عالم المغرب، فيقفون على البنيان العظيم الذي هو الجنة الجديدة، مطيفين بتلك الجحيم، فينظرون إليها، ثم يأتي