غابَ عنه حال ابن أبي ليلى، وحال عطية، وعلل متن هذا الحديث، حتى يحكم بحسنه؟ وإذا فاته ما تقدم، ألم يتنبه إلى كلام البخاري بعده؟ إذنْ، أحكام الترمذي على الأحاديث إنَّما هي من الإطلاقات الخاصة به (١).
وممن ذهب إلى رد هذه الرواية من العلماء، الإمام مسلم في "التمييز" قبيل (٩٠) فإنَّه بوّب لهذه الرواية، فقال:«ذكر خبر مستنكَر، عن ابن عمر، عن النبي ﷺ، فقد أطبق الحفاظ على صدر روايته، عن ابن عمر، عن النبي ﷺ».
وقدّم ابن خزيمة متن هذه الرواية على سندها فهي ضعيفة عنده، ثم إنَّه قدم هذا الحديث بمقدمة، فقال:«وقد روى الكوفيون أعجوبة عن ابن عمر، إني لخائف أنْ لا تجوز روايتها إلا لتبيين علتها، لا أنَّها أعجوبة في المتن، إلا أنَّها أعجوبة في الإسناد في هذه القصة، رووا عن نافع وعطية بن سعد العوفي، عن ابن عمر … فذكر الحديث، ثم قال: وروى هذا الخبر جماعة من الكوفيين، عن عطية، عن ابن عمر، منهم: أشعث بن سوار، وفراس، وحجاج بن أرطاة، منهم من اختصر الحديث، ومنهم من ذكره بطوله، وهذا خبر لا يخفى على عالم بالحديث أنَّ هذا غلط وسهو عن ابن عمر قد كان ابن عمر ﵀ ينكر التطوع في السفر، ويقول: لو كنتُ متطوعاً ما باليتُ أنْ أُتم الصلاة، وقال: رأيت رسولَ الله ﷺ لا يصلي قبلها ولا بعدها في السفر».
وقال ابن خزيمة قبيل (١٢٥٨): «فابن عمر ﵀ ينكر التطوع في السفر بعد المكتوبة، ويقول: لو كنت مسبحاً لأتممت الصلاة، فكيف يرى النبي ﷺ يتطوع بركعتين في السفر بعد المكتوبة من صلاة الظهر، ثم ينكر على من يفعل
(١) وقد حاول غير واحد من أهل العلم شرح هذه الاصطلاحات، فلم نجد ما يشفي الغليل، ولعل العقبة الكبرى في محاولات الشرّاح الاختلاف المتضمن عين الاصطلاحات فكم من حديث تجده في نسخة يقول عنه: «حسن» وفي أخرى: «حسن غريب» وأخرى كذا .. الخ، والذي نراه التوقف عن هذه المحاولات لحين الحصول على مخطوطات معتبرة قديمة بحيث تكون مرجعاً يتحاكم إليها عند الخلاف. وإلى ذلك تبقى أحكام الترمذي على الأحاديث مما يستأنس بها، والله أعلم.