للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

البيان، ولا تختلف الدلالة فِيْمَا نقله بترك ما تركه (١). وهذا ينبغي أن يجوز عند من لم يجز الرواية بالمعنى، ولا فرق في هذا بين أن يكون رواه قبلُ على التمام أو لا.

وهذا المذهب هُوَ الَّذِي صححه ابن الصَّلَاح وغيره، وعلل ذَلِكَ بقوله: «لأن الَّذِي نقله والذي تركه - والحالة هَذِهِ - بمنزلة خبرين منفصلين في أمرين لا تعلق لأحدهما بالآخر» (٢).

ويجدر أن يكون اختصار الحديث موقوفاً على الراوي المشهور بالضبط والحفظ، مرتفعة منزلته عن التهمة والظِّنة، أسند ابن الجعد عن ابن المبارك قال: «علمنا سفيان اختصار الحديث» (٣)، وقال ابن رجب: «وكان سفيان يختصر الحديث أحياناً» (٤).

قال الخطيب: «وإن خاف من رَوَى حديثاً على التمام، إذا أراد روايته مرة أخرى على النقصان، لمن رواه له قبل تاماً أنْ يتهمه بأنَّه زاد في أول مرة ما لم يكن سمعه، أو أنه نسي في الثاني باقي الحديث؛ لقلة ضبطه، وكثرة غلطه، وجب عليه أن ينفي هذه الظنة عن نفسه؛ لأنَّ في الناس من يعتقد في راوي الحديث كذلك، أنه ربما زاد في الحديث ما ليس منه، وأنه يغفل ويسهو عن ذكر ما هو منه، وأنه لا يُؤمَن أن يكون أَكْثرُ حديثه ناقصاً مبتوراً فمتى ظن الراوي اتهام السامع منه بذلك، وجب عليه نفيه عن نفسه» (٥).

وقال ابن الصلاح معلِّقاً على من يُتهم في حديثه: «من كان هذا حاله،


(١) انظر: " مَعْرِفَة أنواع علم الْحَدِيْث ": ٣٢٤ بتحقيقي.
(٢) " مَعْرِفَة أنواع علم الْحَدِيْث ": ٣٢٤ بتحقيقي، و انظر: " نكت الزركشي " ٣/ ٦١٢،
و "محاسن الاصطلاح ": ٣٣٤، و" التقريب والتيسير ": ١٨٣ و ط. الخن: ١٣٥، و" فتح الباقي " ٢/ ٧٦ بتحقيقي.
(٣) " مسند ابن الجعد " (١٨٢٣) ط. العلمية و (١٨٩٩) ط. الفلاح، وأسنده أيضاً الرامهرمزي في " المحدّث الفاصل " (٧١٦)، وهذا النص ساقه الخطيب في " الكفاية ": ١٩٣ وصدره بقوله: «وقد كان سفيان الثوري يروي الأحاديث على الاختصار لمن قد رواها له على التمام؛ لأنَّه كان يعلم منهم الحفظ لها والمعرفة بها».
(٤) " فتح الباري " ٢/ ٤٥٣.
(٥) " الكفاية ": ١٩٣

<<  <  ج: ص:  >  >>