للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٣ - من يحفظ اللفظ والمعنى لا تجوز لَهُ الرِّوَايَة بالمعنى؛ لزوال ما كنا نخشاه من تبديل الراوي للمعنى، إن لم يستحضر اللفظ، فما دام قد استحضره لم يجز له أنْ يبدله، ومن كَانَ يستحضر المعنى، دُوْنَ اللفظ جازت روايته بالمعنى؛ لكونه في مقام تبليغ ولا يجوز كتمه؛ ولأنَّه قد تحمل الرواية باللفظ والمعنى فحين يعجز عن أحدهما، يلزمه أداء الآخر. وبه جزم الماورديُّ (١)، فَقَالَ: «والذي أراه: أنَّهُ إن كَانَ يحفظ اللفظ لَمْ يَجُزْ أن يرويه بغير ألفاظه؛ لأنَّ في كلام رَسُوْل الله من الفصاحة ما لا يوجد في كلام غيره، وإن لَمْ يحفظ اللفظ جاز أن يورد معناه بغير لفظه؛ لأنَّ الرَّاوِي قَدْ تحمّل أمرين: اللفظ والمعنى، فإن قدر عَلَيْهِمَا لزمه أداؤهما، وإن عجز عن اللفظ وقدر عَلَى المعنى لزمه أداؤه، لئلاّ يَكُوْن مقصراً في نقل ما تحمل» (٢).

٤ - عكس المذهب الَّذِي قبله، فإن كَانَ يستحضر اللفظ جاز لَهُ الرِّوَايَة بالمعنى لأنَّه متمكن من التصرف فيه، من خلال إيراده لبعض الألفاظ التي تقوم مقام الألفاظ الواردة في الرواية. وإن لَمْ يَكُنْ حافظاً للفظ لَمْ يَجُزْ لَهُ الاقتصار عَلَى المعنى، إذ لربما زاد فِيْهِ ما لَيْسَ مِنْهُ، ولا ينفع في حينها استحضار المعنى فقط.

٥ - جواز الرِّوَايَة بالمعنى بشرط إبدال المترادفات ببعضها، مَعَ الإبقاء عَلَى تركيب الكلام؛ خوفاً من دخول الخلل عِنْدَ تغيير التركيب (٣)، ولأنَّ تركيب الكلام لا يُؤمَن معه الإخلال بالمعنى، بخلاف تغيير الألفاظ المترادفة


(١) هُوَ الإمام أبو الحسن عَلِيّ بن مُحَمَّد بن حبيب البصري الماوردي الشَّافِعِيّ، صاحب التصانيف مِنْهَا: "الحاوي الكبير" و " الأحكام السلطانية "، توفي سنة (٤٥٠ هـ).
انظر: " المنتظم " ٨/ ١٩٩ - ٢٠٠، و" سير أعلام النبلاء " ١٨/ ٦٤ و ٦٥، و"طبقات الشافعية" للإسنوي ٢/ ٢٣٠.
(٢) " الحاوي الكبير " ٢٠/ ١٥٤ - ١٥٥. وقّواه الشَّيْخ الجزائري في " توجيه النظر " ٢/ ٦٨٦ وعلل ذَلِكَ بكون الرِّوَايَة بالمعنى إنما أجيزت للضرورة، ولا ضرورة إلا في هَذِهِ الحالة.
(٣) انظر: " توجيه النظر " ٢/ ٦٨٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>