للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والنسائي -وَهُمْ مَنْ هُمْ في الحفظ والإتقان -لا ينفعه ولا يضره تصحيح المتأخرين.

وبناءً على هذا الاختلاف ظهرت أسباب للتباين بين منهجي المتقدمين والمتأخرين، أو سمات يتسم كل منهج ببعض منها:

١ - إنَّ المتأخرين في نقدهم الحديث لا يحيطون بجميع أحوال الراوي، فالراوي ثقة كان أم غير ثقة، له حالات مخصوصة في شيوخه أو في روايته عن أهل بلد معين. بخلاف المتقدمين فهم يراعون أحوال الرواة الثقات في شيوخهم أو في روايتهم عن أهل بلد معين، أو إذا حدثوا من حفظهم (١).

٢ - يغلب على منهج المتأخرين الاعتماد على ضوابط، جعلها كثير من المعاصرين طريقاً سهلاً يختصر عليهم عناء الحفظ، ويطوي عنهم بساط الاستقراء والتتبع والممارسة .. بخلاف المتقدمين فإنَّ أحكامهم تقوم على السبر والتتبع والاستقراء في التصحيح والتضعيف، والتوثيق والتجريح، والتعليل .. مع الحفظ وكثرة المدارسة والمذاكرة .. (٢)

٣ - قعّد المتأخرون قواعد نظرية ثم طرّدوها، وقد يختلفون هم أنفسهم في هذه القواعد، أما المتقدمون فالقاعدة عندهم الترجيح بالقرائن عند الاختلاف بين الرواة في الوصل والإرسال، أو الرفع والوقف، أو الزيادة والنقص .. وهي مبنية على التأمل الدقيق في أحوال الرواة المختلفين والمتن المروي، وهذا الأمر يستدعي بحثاً دقيقاً، ونظراً متكاملاً، وتأملاً قوياً، والمعينُ على ذلك سعة الحفظ، وقوة الفهم، والقرب من عصر الرواية (٣).

٤ - من الأمور التي جعلت التباين كبيراً بين منهجي المتقدمين والمتأخرين أنَّ المتأخرين قد بالغوا في تصحيح الأحاديث وتقويتها بالشواهد والمتابعات، حتى أسرف بعض المعاصرين، فقوّى الخطأ بالخطأ فصار عنده


(١) انظر: مقال الشيخ محمد بن عبد الله القناص: ٣.
(٢) انظر: مقال الشيخ ناصر الفهد: ٣.
(٣) انظر: مقال الشيخ محمد بن عبد الله القناص: ٣، ومقال الشيخ تركي الغميز: ١.

<<  <  ج: ص:  >  >>