للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حاول هذا لم يحاوله إلا عن طريق الاستقراء، كما فعل بعض من كتب في شروط الأئمة الستة أو الخمسة، وإنَّ الحق الذي نعتقدهُ، ولا يتخللهُ شك، أنا لا نستطيع الجزم بالطريقة التي تم بها انتقاء الشيخين البخاريِّ ومسلم أحاديث كتابيهما، فنحن لا نعلم كيف انتقى البخاري من حديث سفيان، أو الزهري، أو يزيد بن زريع، ولا ندري كيف انتقى من أحاديث سالم أو غيره من الثقات الأثبات، ثم إنا نجزم بأنهما لم يريدا استيعاب جميع ما رواه الثقة، بل ليس كل ما رواه الثقة صحيحاً.

إذن فصنيع الشيخين في أحاديث الثقات صنيع انتقائي وليس شمولياً، ونحن لا نعرف الأسس التي عليها انتقى الشيخان أحاديث هؤلاء الثقات.

وما دام الأمر كذلك: فإن قصورنا يكون أكثر وعجزنا يكون أكبر، أما طريقة انتقاء الشيخين من حديث مَنْ في حفظهم شيءٌ مثل: إسماعيل بن أبي أويس، والحسن بن ذكوان، وخالد بن مخلد القطواني ففيه رد لقول أبي الحسن المقدسي عمن أخرج له الشيخان: «هذا جازَ القَنْطَرةَ» (١)؛ لأن بعض الضعفاء قد يصحّ حديثهم؛ لمتابعة الثقات لهم، لا لأنَّهم مُحْتَجّ بهم.

قالَ الحافظ ابن حجر: «وروينا في مناقب البخاري بسند صحيح، أنَّ إسماعيل أخرج لهُ أصوله، وأذن له أنْ ينتقي منها وأن يُعلِّم لهُ على ما يحدث به ليحدث به، ويعرض عما سواه، وهو مُشعر بأن ما أخرجه البخاري عنه هو من صحيح حديثه؛ لأنَّه كتب من أصوله، وعلى هذا لا يحتج بشيء من حديثه غير ما في الصحيح من أجل ما قدح فيه النسائي وغيره إلا إنْ شاركه فيه غيره فيعتبر فيه» (٢).

وقال الزيلعي: «بل خرّج في الصحيح لخلق ممن تكلم فيهم، ومنهم جعفر بن سليمان الضبعي، والحارث بن عبيد الإيادي، وأيمن بن نابل الحبشي، وخالد بن مخلد القطواني، وسويد بن سعيد الحدثاني، ويونس بن أبي إسحاق السبيعي، وغيرهم، ولكن صاحبا الصحيح -رحمهما الله- إذا


(١) " الاقتراح ": ٢٨٣.
(٢) " هدي الساري ": ٥٥٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>