للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على الباحث أنْ يولي الرواية حقها من البحث الذاتي، قبل اعتبارها بغيرها مكتفياً بحال الراوي فحسب (١)، وما كان انقطاعه شديداً أو قدح في عدالة الراوي فلا يزول، قال الحافظ ابن الصلاح رحمه الله تعالى: «لعل الباحث الفهِم يقول: إنَّا نجد أحاديث محكوماً بضعفها، مع كونها قد رويت بأسانيد كثيرة من وجوه عديدة، مثل حديث: «الأُذُنانِ منَ

الرَّأسِ» (٢) ونحوه، فهلاّ جعلتم ذلك وأمثاله من نوع الحسَنِ؛ لأنَّ بعض ذلك عضد بعضاً .. وجواب ذلك: أنَّه ليس كل ضعف في الحديث يزول بمجيئه من وجوه، بل ذلك يتفاوت، فمنه ضعف يزيله ذلك؛ بأنْ يكون ضعفه ناشئاً من ضَعْفِ حفظ راويه مع كونه من أهل الصدق والديانة، فإذا رأينا ما رواه قد جاء من وجه آخر عرفنا أنَّه مما قد حفظه، ولم يختل فيه ضبطه له، وكذلك إذا كان ضعفُهُ من حيث الإرسال زال بنحو ذلك، كما في المرسل الذي يرسله إمام حافظ؛ إذ فيه ضعف قليل يزول بروايته من وجه آخر، و من ذلك ضعف لا يزول بنحو ذلك؛ لقوة الضَّعْف وتقاعد هذا الجابر عن جبره ومقاومته، وذلك كالضَّعْف الذي ينشأ من كون الراوي متهماً بالكذب، أو كون الحديث شاذاً، و هذه جملةٌ تفاصيلها تدرك بالمباشرة والبحث، فاعلم ذلك، فإنَّه من النفائس العزيزة، والله أعلم» (٣).

من هذا يتبين لنا أنَّ الأحاديث الشديدة الضعف إذا كثرت و تعددت، تبقى ضعيفة ولا ترتقي إلى درجة القبول.

وقد ذكر السيوطي عن الحافظ ابن حجر أنَّ شديد الضعف بكثرة الطرق،


(١) انظر: " الإرشادات في تقوية الأحاديث ": ١٢١ - ١٢٢.
(٢) هو قويٌّ عند بعضهم، أخرجه: أحمد ٥/ ٢٦٨، و ابن ماجه (٤٤٤)، و الدارقطني في " سننه " ١/ ١٠٣ ط. العلمية و (٣٦١) ط. الرسالة، وذكر طرقه الزيلعي في " نصب الراية " ١/ ١٨،
وقد جمع الحافظ ابن حجر طرقه، وأشار إلى تقويته معقباً على تضعيف ابن الصلاح للحديث. انظر: " النكت " ١/ ٤١٠ - ٤١٥ و: ٢٠٥ - ٢١١ بتحقيقي.
(٣) " معرفة أنواع علم الحديث ": ١٠٣ - ١٠٤ بتحقيقي.

<<  <  ج: ص:  >  >>