للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حُفَّاظِهِم: مَعْرِفَتُنَا بِهَذَا كِهَانَةٌ عِنْدَ الجَاهِلِ (١).

وَإِنَّمَا يَهْتَدِي إِلَى تَحْقِيقِ هَذَا الفَنِّ الجَهَابِذَةُ النُّقَّادُ مِنْهُمْ، يُمَيِّزُونَ بَيْنَ صَحِيحِ الحَدِيثِ وَسَقِيمِهِ، وَمُعْوَجِّهِ وَمُسْتَقِيمِهِ، كَمَا يُمَيِّزُ الصَّيْرَفِيُّ البَصِيرُ بِصِنَاعَتِهِ بَيْنَ الجِيَادِ وَالزُّيُوفِ، وَالدَّنَانِيرِ وَالفُلُوسِ فَكَمَا لَا يَتَمَارَى هَذَا، كَذَلِكَ يَقْطَعُ ذَاكَ بِمَا ذَكَرْنَاهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَظُنُّ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقِفُ، بِحَسَبِ مَرَاتِبِ عُلُومِهِمْ وَحذقهِمْ وَاطِّلَاعِهِمْ عَلَى طُرُقِ الحَدِيثِ، وَذَوْقِهِمْ حَلَاوَةَ عِبَارَاتِ الرَّسُولِ التِي لَا يُشْبِهُهَا غَيْرُهَا مِنْ ألفَاظِ النَّاسِ» (٢).


(١) وليس معنى هذا أنَّ علم الحديث مبنيٌّ على غير قواعد، لا. بل إنَّ هذا العلم من أكثر العلوم تأصيلاً و أعظمها تقعيداً، ولكن لصعوبة هذا الفن وشدته على غير أهله قيل ذلك. وأصل هذا الكلام هو ما أسنده ابن أبي حاتم في مقدمة العلل ١/ ٣٨٩ ط. الحميد إلى عبد الرحمان بن مهدي قال: «إنكارنا الحديث عند الجهال كهانةٌ»، وأسند عنه أيضاً قوله: «معرفة الحديث إلهامٌ»، وهذان النصان في كتاب "جامع العلوم والحكم" ٢/ ١٣٣ ط. العراقية بتحقيقي و: ٥٧٩ ط. ابن كثير بتحقيقي أيضاً. وليس معنى هذا على الحقيقة فإنمَّا هذا الخطاب يخاطب به من لا يحسن صنعة الحديث، ولا يدرك أغوار أسراره. وهذا الخطاب أيضاً للمبتدئ حتى يعرف صعوبة الفن ودقته ليأخذ الطالب بأسبابه، قال الخطيب في " الجامع لأخلاق الراوي " ٢/ ٣٨٢: «علمٌ يخلقه الله تعالى في القلوب بعد طول الممارسة له، والاعتناء به» .. وقد أجاد أخي الحبيب الدكتور علي الصياح معلقاً على قولي ابن مهدي: «ربما يفهم من بعض الأقوال المتقدمة أنَّ علم العلل يحصل=
= … في القلب من فراغ بدون عمل ولا طلب، وهذا الفهم غير مراد قطعاً، لكن لما كان علم العلل خفياً ودقيقاً وبحاجة إلى كثرة طلب، وسعة حفظ، وجودة فكر ودقة نظر وتوفيق من الله أولاً وآخراً - هو ما توافر لأولئك النقاد - أصبح عند من لا يحسنه نوعاً من الكهانة والإلهام». "كيف نقرب علم العلل". مجلة البيان: ٦ العدد (٢٠٣).
(٢) "اختصار علوم الحديث": ١٤٩ بتحقيقي.

<<  <  ج: ص:  >  >>