ونحن حين نتحدث عن صفات المُعلل لابد أنْ نقدر لكل أهل زمان طاقتهم ومقدرتهم فلكل زمان قومه، ولابد من التنبيه إلى ما أشار إليه الحافظ المتقن عَلِيُّ بن الْمَدِينِيّ قال: لا يقاس الرجل إلا بأقرانه وأهل زمانه؛ فلقد قُلْتُ مَرّةً: سَعِيد أَعْلَم من حَمَّاد بن زَيْد، فبلغ ذَلِكَ يَحْيَى بن سَعِيد، فشق ذَلِكَ عليه؛ لئلا يقاس الرجل بمن هو أرفع منه لا يَقُول: سُفْيَانُ أَعْلَم من الشعبي، وأيُّ شيء كَانَ عند الشعبي مما عند سُفْيَان؟ وقيل لعلي بن الْمَدِينِيّ: إنَّ إنساناً قَالَ: إنَّ مالكاً أفقه من الْزُّهْرِيّ، فَقَالَ عَلِيٌّ: أنا لا أقيس مالكاً إِلَى الْزُّهْرِيّ، ولا أقيس الْزُّهْرِيَّ إِلَى سَعِيد بن الْمُسَيَّب (١).
ونحن ننتفع بهذا أنَّه من الصعوبة - وربما من المستحيل - أنْ يبرز أحدٌ في علل الحديث كما برز أولئك الأئمة المتقدمون، لكنَّ الله أمرنا بالاجتهاد والتعلم وأنْ نجدَّ في تحصيل العلوم حتى إذا لم نبلغ تلك المراتب العالية، فعلى طالب العلم أنْ يسدد ويقارب.
إذن لا بد لرجل العلل أنْ يعرف مصطلحات علماء الحديث - بالجملة - ومناهج أئمة العلل وطرائقهم في هذا الفن، مع ضرورة إدمان النظر في كتب العلل مع جودة الفهم، وترداد المقروء مع دِقَّة تامة في النظر والتطبيق العملي المستمر، وحفظ الرجال الذين تدور عليهم الأسانيد، ومراتب الرواة وطبقاتهم، ومعرفة الأسانيد الصحيحة والمعلة، وقرائن الترجيح وطرقه، ومعرفة الثقات من الضعفاء، ومعرفة مواليدهم ووفياتهم وبلدانهم، ومعرفة المكثرين من رواة الحديث و معرفة مراتب أصحابهم فيهم، كأصحاب الزهري وقتادة ونحوهما من المكثرين، ومعرفة أشهر الأسانيد، ومعرفة المدلسين والمختلطين، ومعرفة المنقطع من الأسانيد. حتى يكون من العارفين بعلل الحديث حسن الترجيح لدى الاختلاف.
ثم إني - في كتابي هذا - أشرتُ مراتٍ عديدة إلى اتباع منهج المتقدمين، وإنَّ من اتباع المتقدمين تقوى الله ﷿ في السر والعلن والغضب والرضا، و من
(١) "كيف نقرب علم العلل". د علي الصياح، مجلة البيان: ٩ العدد (٢٠٦).