للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تضعفه (١). وشهدتُ شيخَ الإسلام - قدّس الله روحه - إذا أعيته المسائل واستصعبتْ عليه فر منها إلى التوبة والاستغفار، والاستغاثة بالله واللَجأ إليه، واستنزال الصواب منْ عنده، والاستفتاح من خزائن رحمته.

فقلما يلبث المدد الإلهي أنْ يتتابع عليه مداً، وتزدلف الفتوحات الإلهية إليه بأيتهنَّ يبدأ، ولا ريب أنَّ من وفق هذا الافتقار علماً وحالاً، وسار قلبه في ميادينه بحقيقة وقصد، فقد أعطي حظه من التوفيق، ومنْ حرمه فقد منع الطريق والرفيق، فمتى أعين مع هذا الافتقار ببذل الجهد في درك الحق، فقد سلك به الصراط المستقيم، وذلك فضلُ الله يؤتيه منْ يشاء، والله ذو الفضل العظيم» (٢).

وقال تلميذه العلامة الحافظ ابن رجب الحنبلي: «اعلم أنَّ معرفة صحة الحديث وسقمه تحصل من وجهين: أحدهما: معرفة رجاله وثقتهم وضعفهم، ومعرفة هذا هيِّن؛ لأنَّ الثقات والضعفاء قد دُوِّنوا في كثير من التصانيف، وقد اشتهرت بشرح أحوالهم التواليف. والوجه الثاني: معرفة مراتب الثقات، وترجيح بعضهم على بعض عند الاختلاف، إما في الإسناد، وإما في الوصل والإرسال، وإما في الوقف والرفع، ونحو ذلك. وهذا هو الذي يحصل من معرفته وإتقانه وكثرة ممارسته الوقوف على دقائق علل الحديث» (٣). ولابد لطالب العلم في هذا الزمن ممن يريد أنْ يكون من العارفين بعلل الحديث أنْ يعلم أنَّ هذا العلم لا يأتي من فراغ، ولا يُتعلم في ليلة وضحاها، بل لا بد لتعلمه من مقدمات. فهو علم يتعلمه ويحسن معرفته من يأخذ بأسبابه كبقية العلوم، فلا بد من كثرة القراءة في كتب العلل النظرية والتطبيقية كـ"علل ابن


(١) قال الخليلي في " الإرشاد " ١/ ٤٠٨: «يحتاج في هذا الأمر إلى الديانة والإتقان والحفظ ومعرفة الرجال ومعرفة الترتيب ويكتب ما له وما عليه، ثم يتأمّل في الرجال فيميز بين الصحيح والسقيم، ثم يعرف التواريخ، وعمر العلماء، حتى يعرف من أدركَ مِمّن لم يُدرك، ويعرف التدليس للشيوخ».
(٢) "إعلام الموقعين" ٤/ ٢٠٧ - ٢٠٨.
(٣) "شرح علل الترمذي" ٢/ ٤٦٧ - ٤٦٨ ط. عتر و ٢/ ٦٦٣ ط. همام.

<<  <  ج: ص:  >  >>