وأبي سلمة وعبيد الله بن عبد الله، عن أبي هريرة، قال: سلّمَ رسولُ الله ﷺ عنْ ركعتين، فقال له ذو الشمالين منْ خزاعة حليفٌ لبني زهرةَ: أقُصرتِ الصلاةُ أمْ نسيتَ يا رسولَ الله؟ قال:«كلٌّ لم يكنْ» فأقبلَ رسولُ الله ﷺ على الناس، فقالَ:«أصدقَ ذو اليدين؟» قالوا: نعم، فأتمَّ ما بقي من صلاتهِ، ولم يسجدْ سجدتي السَّهو حتّى يقَّنهُ الناسُ (١).
ورواه عند ابن عبد البر في "التمهيد" ٤/ ٤٢٨ - ٤٢٩ بالإسناد السابق وجاء في روايته:«فأتمَّ ما بقي منْ صلاتهِ ثمَّ سجدَ سجدتي السَّهو».
فهذه الرواية منكرة لا تصح؛ والعلة فيها أن ما قدمناه من طرق عن الزهري فيها قول الزهري: ولم يحدثني أحد منهم أن رسول الله ﷺ سجد يومئذ، وقد تقدمت مناقشة هذا القول، وهذا القول تفرد به محمد بن كثير ومثله لا يحتمل التفرد، فقد نقل المزي في "تهذيب الكمال" ٦/ ٤٨٧ (٦١٦١) عن عبد الله بن أحمد أنَّه قال: «ذَكَرَ أبي محمدَ بنَ كثير فضعفه جداً، وضعف حديثه عن معمر جداً، وقال: هو منكر الحديث»، وقال:«يروي أشياء منكرة»، ونقل عن الجوهري عنه أنَّه قال فيه:«ليس بشيء، يحدث بأحاديث مناكير ليس لها أصل»، ونقل عن البخاري أنَّه قال فيه:«لين جداً»، وقال ابن عدي في "الكامل" ٧/ ٥٠١: «له روايات عن معمر والأوزاعي خاصة أحاديث عداد لا يتابعه عليه أحد»، ومن بيان سوء حال محمد بن كثير ما نقله ابن حجر في " تهذيب التهذيب " ٩/ ٣٦٠ عن أبي حاتم أنه قال: «دفع إلي محمد بن كثير كتاباً من حديثه عن الأوزاعي فكان يقول في كل حديث منها حدثنا محمد بن كثير، عن الأوزاعي، وهو محمد بن كثير».
قلت: فيضاف إلى سوء حاله ضعفه عن الأوزاعي خاصة.
إلا أنَّ محمد بن كثير قد توبع على روايته - بإثبات السجدتين- فقد تابعه مبشر بن إسماعيل الذي رواه عند أبي يعلى (٥٨٦٠) عن الأوزاعي، عن
(١) لفظ رواية ابن خزيمة، ورواية أبي داود مختصرة وعنده: «حتى يقَّنه الله».