بسرة بنت صفوان أنَّها سمعت رسول الله ﷺ يذكر ما يتوضأ منه، فقال رسول الله ﷺ:«ويتوضأ من مس الذكر».
وهذا هو الصواب؛ لأنَّ محمد بن إسحاق قد خالف في هذا الحديث من هم أوثق منه في الزهري، ومن هؤلاء شعيب بن أبي حمزة الذي قال عنه ابن معين:«شعيب أثبت الناس في الزهري … »(١)، زيادة على المتابعات الأخرى لشعيب، وقال البيهقي عن هذا الطريق عقب رواية عقيل بن خالد، عن الزهري:«هذا هو الصحيح من حديث الزهري».
أما طريق ابن إسحاق فهو وَهْم منه، ولم يتابعه عليه أحد إلا متابعة واهية عند ابن عدي في " الكامل " ١/ ٣١٨، من طريق أحمد بن هارون المصيصي، قال: حدثنا حجاج بن محمد، عن ابن جريج، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة وزيد بن خالد، به، وهذا إسناد معلول لسببين:
الأول: فيه أحمد بن هارون، قال ابن عدي عنه:«يروي مناكير عن قوم ثقات لا يتابع عليه أحد»، وقال:«وهذا الحديث يرويه محمد بن إسحاق، عن الزهري، عن عروة، عن زيد بن خالد. ومن حديث ابن جريج، عن الزهري غير محفوظ»، وقال أيضاً بعد أنْ سرد حديثاً آخر له:«ولم أجد لأحمد هذا، أشنع من هذين الحديثين».
والثاني: عنعنة ابن جريج.
ومن هذا يتضح أنَّ الشيخ شعيباً قد تابع ظاهر سند الحديث، وهذا ما درج عليه المعاصرون من الناقدين دون الدخول إلى تفريعات وطرق الأحاديث المتشعبة، وهذا ما يؤدي بهم - وكما هو الحال في هذا المثال - إلى الوهم في الحكم على الأحاديث. وهذا ما تنبه له أئمة الحديث الأفاضل من المتقدمين؛ إذ إنَّهم لا يحكمون على الحديث لأول وهلة، لكن بعد متابعة طرقها ومعرفة حال رواتها ومتى تكون رواياتهم دقيقة، ومتى تكون مخالفة للصواب، والفضل في هذا يعود إلى الكم الهائل والخزين الوافر من حفظ الأسانيد