للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والمعاصرة - من الراوي الثقة - تحمل على الاتصال، إلا أن يكون الراوي مدلساً، ولم يزعم أحد أن مجاهداً مدلس، إلا كلمة قالها القطب الحلبي في "شرح البخاري "، حكاها عنه الحافظ في " التهذيب " ١٠/ ٤٤، ثمَّ عقّب عليها بقوله: «ولم أر من نسبه إلى التدليس»، وقال الحافظ أيضاً في "الفتح " ٦/ ١٩٤ (١) - ردًّا على من زعم أنّ مجاهداً لم يسمع من عبد الله بن عمرو -: «لكن سماع مجاهد من عبد الله بن عمرو ثابت، وليس بمدلس»، فثبت عندنا اتصال الحديث وصحته، والحمد لله» انتهى كلام الشيخ أحمد شاكر وتبع العلاّمةَ أحمدَ شاكر على تصحيحه الحديث، محققُ سنن سعيد بن منصور، ومحققُ مسند أبي يعلى.

قلت: الصواب في هذا الحديث أنه مرسلٌ، وهو ما نصَّ عليه الإمام الترمذي ، إذ قال: «هذا حديث غريب (٢)،

ورواه بعضهم عن ابن أبي


(١) وهو في النسخة التي بين يدي ٦/ ٣٢٥ طبعة دار السلام، وهي التي نحيل إليها عند الإطلاق، والنص في طبعة دار طيبة ٧/ ٤٥٩ وفي كلتا الطبعتين عقب (٣١٦٦).
(٢) في المطبوع من الجامع الكبير للترمذي ط. دار الغرب: «مرسل»، والصواب ما أثبتناه من عدة وجوه:
الأول: لفظة «غريب» جاءت في " تحفة الأشراف " ١٢/ ١٢١ (١٨٢١٠) فقال: «غريب، وقد روى بعضهم عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد أنَّ أمَّ سلمة قالت»، وكذا فعل ابن كثير في
"تفسيره ": ٤٧٤ إذ قال: «ورواه الترمذي عن ابن أبي عمر … فذكره، وقال: غريب».
الثاني: يحتمل أن يكون أراد الترمذي بقوله: «غريب»، صيغة العنعنة، وهي قوله: «عن مجاهد، عن أم سلمة»، فاعتبرها الترمذي غريبة لمخالفتها الروايات الأخرى، ويثبت ذلك أنَّه قال بعد قوله «غريب»: «ورواه بعضهم عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مرسلاً: أنَّ أم

سلمة، قالت: كذا وكذا» فميز بين العنعنة والأنأنة، أو أراد بذلك أنَّ الحديث بهذا اللفظ لم يروه عن أم سلمة إلا مجاهد، ولم يروه عن مجاهد إلا ابن أبي نجيح، أو أراد: «وكانت أم سلمة أول ظعينة قدمت المدينة» إذ انفرد بها الترمذي، فالمتتبع لطرق الحديث لا يجد ذلك إلا في جامع الترمذي، وهو يدل على الغرابة كما في اصطلاح المحدّثين، والله أعلم.
الثالث: سياق الكلام يدل على صواب ما أثبتنا، إذ إثبات قوله: «مرسل» وقوله بعد ذلك: «ورواه بعضهم عن ابن أبي نجيح عن مجاهد مرسلاً»، لا يستقيم؛ لأنّ كليهما من نفس الطريق فهل يعقل أن يقال: (هذا الحديث مرسل) مرتين؟ والله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>