إنما هي رواية كما صح عندهم قول إبراهيم، فقال: هؤلاء يستتابون.
وقال أبو عمر بن عبد البر: يقال لمن قال بالتقليد: لم قلت به وخالفت السلف في ذلك، فإنهم لم يقلدوا؟ فإن قال: قلدت؛ لأنَّ كتاب الله لا علم لي بتأويله، وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم- لم أحصها، والذي قلَّدتُه قد علم ذلك، فقلدت من هو أعلَم مني.
قيل له: أما العلماء إذا أجمعوا على تأويل شيء من الكتاب، أو حكاية عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم-، أو اجتمع رأيهم على شيء فهو الحق لا شك فيه، ولكن قد اختلفوا فيما قلدت فيه بعضهم دون بعض، فما حجتك في تقليد بعضهم دون بعض وكلهم عالم، ولعل الذي رغبت عن قوله أعلم من الذي ذهبت إلى مذهبه؟
فإن قال: قلدته؛ لأني أعلم أنه على صواب. قيل له: علمت ذلك من كتاب الله، أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، أو إجماع؟
فإن قال: نعم. أبطل التقليد، وطولب بما ادعاه من الدليل.
وإن قال: قلدته؛ لأنه أعلم مني. قيل له: فقلد كل من هو أعلم منك، فإنك تجد من ذلك خلقا كثيرا، ولا تخص من قلدته، إذ علتك فيه أنه أعلم منك.
فإن قال: قلدته؛ لأنه أعلم الناس. قيل له: فهو إذًا أعلم من الصحابة. فكفى بقول مثل هذا قبحا ١.
"فإن قال: أنا أقلد بعض الصحابة. قيل له: فما حجتك في ترك من لم تقلد منهم؟ ولعل من تركت منهم أفضل ممن أخذت بقوله؟ على أن القول لا يصح بفضل قائله، وإنما يصح بدلالة الدليل عليه.
وقد ذكر ابن مدين، عن
١ إنه على قبحه -بمخالفة إمامه وسائر الأئمة على تفضيل الصحابة على أنفسهم- باطل بالبداهة، فإن المجتهد لا يمكنه أن يعرف أعلم الناس على الإطلاق، فضلا عن المقلد الذي لا يعرف أدلة أحد منهم.