للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

به شيئا، وأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام. قالت: فعدد عليه أمور الإسلام، فصدقناه وآمنا به واتبعناه على ما جاء به من الله، فعبدنا الله وحده فلم نشرك به شيئا، وحرّمنا ما حرم علينا، وأحللنا ما أحل لنا. فعدا علينا قومنا وعذبونا وفتنونا عن ديننا ليردونا إلى عبادة الأوثان من عبادة الله، وأن نستحل من الخبائث ما حرم الله علينا. فلما قهرونا وظلمونا وحالوا بيننا وبين ديننا خرجنا إلى بلادك، واخترناك على من سواك، ورغبنا في جوارك، ورجونا أن لا نُظلم عندك أيها الملك.

قالت: فقال له النجاشي: هل معك مما جاء به عن الله من شيء؟ قالت: فقال جعفر: نعم، فقال له النجاشي: اقرأه علي، فقرأ عليه صدرًا من {كهيعص} قالت: فبكى النجاشي حتى أخضل لحيته، وبكت أساقفته حتى أخضلوا مصاحفهم حين سمعوا ما تلي عليهم، ثم قال النجاشي: إن هذا والله والذي جاء به موسى لَيخرج من مِشكاة واحدة، انطلقا فلا -والله- لا أسلمهم إليكم ولا أكاد" ثم ساقت القصة.

قال ابن إسحاق: وحدثني يزيد بن رُومان عن عروة عن عائشة قالت: لما مات النجاشي كان يتحدث: أنه لا يزال على قبره نور. انتهى.

(قلت): وقد أنزل الله في النجاشي وأصحابه آيات في سورة المائدة من قوله: {وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى} ١ إلى قوله: {وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ} ٢٣.

وكل من له أدنى معرفة لا يفهم من هذه القصة إلا أنها حجة عظيمة على الهجرة الواجبة من وجوه لا تخفى على البليد، اللهم إلا من ابتلي بسوء الفهم وفساد التصور وكابر العقل والشرع فلا حيلة فيه، يا ربنا نسألك الثبات على الإسلام.

[حال المسلم الذي يقيم بين المشركين المعادين للإسلام]

وأورد أيضا حديث: "أنا بريء من مسلم بين أظهر المشركين، لا تراءى ناراهما"٤، والحجة منه أن النبي صلى الله عليه وسلم سماه مسلما، فيفيدان إقامته بين أظهر المشركين لا تخرجه عن الإسلام.


١ سورة المائدة آية: ٨٢.
٢ سورة المائدة آية: ٨٢.
٣ الغاية التي ذكرها سهو فإن الآيات الثلاث التي بعدها فيهم أيضا.
٤ الترمذي: السير (١٦٠٤) , وأبو داود: الجهاد (٢٦٤٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>