للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أي: الكلمة التي ذكرها المجيب في معنى قوله: {قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَدًا} ١ الآيات، ذكر عبارة النسفي في معناها، وهي قوله: "هو إظهار للعبودية وبراءة عما يختص بالربوبية من علم الغيب، أي: أنا عبد ضعيف لا أملك لنفسي اجتلاب نفع ولا دفع ضر" إلى آخر كلامه.

إذ من عادة هذا المعترض الجاهل رد الحق والمكابرة في دفعه والغلو المتناهي، وإلا فمن المعلوم عند من له معرفة بدين الإسلام أن المجيب إنما أتى في جوابه بتحقيق التوحيد، ونفي الشرك بالله، وذلك تعظيم لجانب الرسالة. وكان النبي صلى الله عليه وسلم ينهى أمته عن كل ما يؤول بهم إلى الغلو، ولما قيل له صلى الله عليه وسلم أنت سيدنا وابن سيدنا، وخيرنا وابن خيرنا. قال: "يا أيها الناس، قولوا بقولكم أو بعض قولكم، ولا يستهوينكم الشيطان، أنا عبد الله ورسوله، ما أحب أن ترفعوني فوق منْزلتي التي أنزلني الله تعالى"٢. والنبي صلى الله عليه وسلم هو أحق الخلق بالتواضع لله وحده -سبحانه-، وفي الحديث: "فإنك إن تكلني إلى نفسي تكلني إلي ضيعة وعورة، وذنب وخطيئة، وإني لا أثق إلا برحمتك"٣ الحديث، والأحاديث في هذا المعنى كثيرة يخبر بذلك عن نفسه، ويعترف بذلك لربه، وهو الصادق المصدوق. فإذا قال المسلم: مثل هذا في حقه صلى الله عليه وسلم وأخبر عنه بما أخبر به عن نفسه لم يكن منتقصا له، بل هذا من تصديقه والإيمان به.

[توحيد الرب ونفي خصائصه عما سواه]

قال شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى-*: إذا كان الكلام في سياق توحيد الرب ونفي خصائصه عما سواه لم يجز أن يقال: هذا سوء عبارة في حق من دون الله من الأنبياء والملائكة، فإن المقام أجلُّ من ذلك، وكل ما سوى الله يتلاشى عند تجريد توحيده، والنبي صلى الله عليه وسلم كان أعظم الناس تقريرا لما يقال على هذا الوجه، وإن كان نفسه المسلوب، كما في الصحيحين في حديث الإفك لما نزلت براءة عائشة من السماء، وأخبرها النبي صلى الله عليه وسلم بذلك قالت لها أمها: "قومي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت: والله لا أقوم إليه، ولا أحمده ولا إياكما، ولا أحمد إلا الله الذي أنزل براءتي"٤.


١ سورة الجن آية: ٢١.
٢ أحمد (٣/ ٢٤٩).
٣ أحمد (٥/ ١٩١).
* النقل من كتاب "الرد على البكري" ٢/ ٦٤٧، ونقله مختصرًا الإمام محمد بن عبد الوهاب في "مسائل لخصها من كلام ابن تيمية" ص ١٠٤. [معد الكتاب للمكتبة الشاملة]
٤ البخاري: الشهادات (٢٦٦١) , ومسلم: التوبة (٢٧٧٠) , وأحمد (٦/ ١٩٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>