به الرسول -صلى الله عليه وسلم- من عند الله بهذه الأمور القبيحة، كما أن الجَهْمِيَّة أنكروا تكليم الله لموسى -عليه السلام- وغيره من خلقه، وزعموا أن القرآن مخلوق، قالوا: لأن الكلام إذا أطلق على ظاهره يلزم منه الجسم.
وكذلك أنكروا رؤية الله في الآخرة، وزعموا أن المرئيات لا تكون إلا جسما، ولهذا لما ظهرت الفتنة في إمارة المأمون العَبَّاسي، وامتحن العلماء بالضرب والحبس على أن يقولوا:"القرآن مخلوق، وأن الله لا يُرى في الآخرة"، وجرى أمور عظيمة، وقتلوا بعض العلماء، وضربوا الإمام أحمد لما امتنع من القول بذلك. ولما ناظره بُرْغُوث تلميذ حسين النجار بأن الله لو كان متكلما لكان جسما، قال الإمام أحمد: لا أدري ما تقولون، ولكن أقول:{اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} ١ فأجابهم الإمام أحمد بطريقة الأنبياء وأتباعهم، وهو الاعتصام بكتاب الله، وترك البدع والمقاييس التي لم يأت بها كتاب ولا سنة، والله -سبحانه وتعالى- أعلم.
فصل
[الاحتجاج بالمُرْسَل ورد دعوى تكفير الوهابية لمن خالفهم مطلقا]
وأما قوله:(إن روايتك عن الأوزاعي مرسلة لم تذكر طريقها، ولا مخرجها، ولا من صححها، فكيف تكفر بها المسلمين؟).
(فالجواب) أن يقال: هذا المعترض لا يعرف معنى المرسل عند أهل الحديث، ولا يميز بينه وبين المنقطع أو المعضل؛ لأن هذا لا يُسمى مرسلا، وإنما المرسل ما أرسله التابعي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وسقط الصحابي، كما إذا روى سَعِيد بن المُسَيَّبِ أو الزُّهْرِيُّ أو الحَسَنُ أو مَكْحُولٌ وأمثالهم عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأما مثل هذا فلا يُسمى مرسلا، وإنما يُسمى مُعْضَلا أو مُنْقَطِعًا.
ويقال -أيضا-: استنادنا في هذه المسألة ليس إلى قول الأوزاعي خاصة، ولا إلى قول من هو أجلّ من الأوزاعي، وإنما استنادنا في هذه المسألة وأمثالها من صفات الله إلى نصوص الكتاب والسنة