للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بين الحديث وغيره. وهذا الكلام ورد عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه في نفر من بني حنيفة سكنوا الكوفة في ولاية ابن مسعود عليها، وكانوا في مسجد من مساجدها، فسمع منهم كلمة تُشْعِر بتصديق مسيلمة، فأخذهم عبد الله بن مسعود، وقتل كبيرهم ابن النواحة، وقال في الباقين: "لا يزالون في بَلِيَّة من كذابهم" يعني: ذلك النفر، فلا تُذَمُّ نَجْدُ بنَفَرٍ أحدثوا حَدَثًا في العراق. وقد أفنى الله كل من حضر مسيلمة في القرن الأول؛ ولم يبق بنجد من يصدق مسيلمة الكذاب، بل من كان في أواخر عهد الصحابة -رضي الله عنهم- ومن بعدهم بنجد يكفرون مسيلمة ويكذبونه، فلم يبق بنجد من فتنة مسيلمة لا عين ولا أثر. فلو ذم نجد بمسيلمة بعد زواله، وزوال من يصدقه؛ لذم اليمن بخروج الأسود العنسي ودعواه النبوة.

وما ضر المدينةَ سُكْنَى اليهود فيها، وقد صارت مُهَاجَر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وَمَعْقِل الإسلام، وما ذُمَّتْ مكةُ بتكذيب أهلها الرسولَ صلى الله عليه وسلم وشدة عداوتهم له، بل هي أحب أرض الله إليه.

[رؤيا النبي دار الهجرة وذهاب وهله أنها اليمامة]

فإذا كان الأمر كذلك فأرض اليمامة لم تَعْصِ الله، وإنما ضَرَّتِ المعصيةُ ساكنيها بتصديقهم كذابهم، وما طالت مدتهم على ذلك الكفر بحمد الله، فَطَهَّرَ الله تلك البلاد منهم، ومن سلم منهم من القتل دخل في الإسلام، فصارت بلادهم بلادَ إسلام، بُنِيَتْ فيها المساجد، وأقيمت فيها الشرائعُ، وعُبِدَ الله فيها في عهد الصحابة -رضي الله عنهم- وبعدهم. ونَفَرَ كثير منهم مع خالد بن الوليد لقتال العجم، فقاتلوا مع المسلمين، فنال تلك البلاد من الفضل ما نال غيرَها من بلاد أهل الإسلام، على أنها تفضل على كثير من البلاد بالحديث الذي رواه البخاري في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال -وهو بمكة لأصحابه-: "أُرِيتُ دارَ هجرتكم، فوصفها، ثم قال: فذهب وَهَلِي إلى أنها اليمامة أو يثرب"١.

ورؤيا النبي صلى الله عليه وسلم وَحْيٌ حَقٌّ، وكفى بهذا فضلا لليمامة وشرفا لها على غيرها، فإن ذهاب وَهَله صلى الله عليه وسلم في رؤياه إليها لا بد أن يكون له أثر في الخير يظهر، فظهر ذلك


١ أحمد (٦/ ١٩٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>