للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قيل له: إن عمارا قُتِل، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "تقتلك الفئة الباغية"١، فقال: "أفنحن قتلناه؟ إنما قتله علي وأصحابه، جاؤوا به حتى ألقوه بين أسيافنا ورماحنا، وإنما ندفع عن أنفسنا". وهذا تأويل باطل؛ ولهذا ردَّه أمير المؤمنين علي رضي الله عنه بما لا حيلة فيه، فقال: إذًا فرسول الله صلى الله عليه وسلم قتل حمزة رضي الله عنه حين جاء به يقاتل المشركين.

وأما أهل السنة والجماعة -رحمهم الله - فكلامهم مستقيم، ولا مطعن فيه لأحد؛ لأنهم اتفقوا على أنه لا تُفَسَّقُ واحدة من الطائفتين، وإن قالوا في إحداهما إنهم كانوا بغاة؛ لأنهم كانوا متأوِّلين مجتهدين، والمجتهد المخطئ لا يُكَفَّر ولا يُفَسَّق، وإن تعمَّد البغي فهو ذنب من الذنوب، والذنوب يُرْفَعُ عقابها بأسباب متعددة كالتوبة، والحسنات الماحية، والمصائب المكفرة، وشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم ودعاء المؤمنين، وغير ذلك من الأسباب؛ ولهذا قال محمد بن شهاب الزهري -وهو من أئمة التابعين-: "هاجت الفتنة وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم متوافرون، فأجمع رأيهم على أن كل دم أو مال أصيب بتأويل القرآن فهو هدر" أو كلاما هذا معناه، أخرجه غير واحد من الأئمة.

فصل

[مذهب الزيدية في لعن معاوية]

وأما قوله في تحقيق مذهب الزيدية في لعن معاوية: (أنهم يظهرون -حيث يخشون التهمة- بموالاته المحرمة بنص الكتاب العزيز، حيث قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ} ٢ فلا يوجبونها مطلقا ولا يستحبونها مطلقا ...) إلى آخر كلامه.

(فالجواب): أن يقال: أنت قرَّرت في أول اعتراضك أنه لو جاء ملك بلعن إبليس -لعنه الله- على المنابر لَعُدَّ مبتدعا، فكيف استجزتم -أيها المنتسبون إلى زيد رضي الله عنه- لعن معاوية -رضي الله عنه-؟! ما هذا التناقض العظيم والتهور فيما يوجب العذاب الأليم؟!


١ مسلم: الفتن وأشراط الساعة (٢٩١٦) , وأحمد (٦/ ٢٨٩ ,٦/ ٣٠٠ ,٦/ ٣١١ ,٦/ ٣١٥).
٢ سورة الممتحنة آية: ١.

<<  <  ج: ص:  >  >>