والله تعالى هو المرجو المسؤول أن يرفع عنا وعن المسلمين العقوبة، وأن يكتب لنا المثوبة بتحري رضاه، وأن يوفقنا للاستقامة على طاعته وتقواه، وأن يحقق لنا وإخواننا ما طلبناه ورجوناه إنه هو البر الرحيم. وحسبنا الله ونعم الوكيل.
[دعاء النبي للمؤمنين الذين عجزوا عن الهجرة معه]
واعلم أن هذا الرجل وأمثاله لما امتلأت قلوبهم بالعداوة والبغض وظهرت على صفحات وجوههم وفلتات ألسنتهم، وأتَوا بكل بلية ورمية -كما تقدم- طمعوا فيما هو أعظم من ذلك، وأكبر ضررا مما هنالك. فأوردوا على الجهال شبهات تحسينا لما قد فعلوه، وتزيينا لسبيلهم الذي سلكوه.
والعارف إذا نظر إليها علم أنهم قد أقروا على أنفسهم وعلى الذين والوهم وآووهم بما قد لا يصرح به غيرهم فيهم ابتداء فمن ذلك قول بعضهم: إن الله تعالى يقول: {وَلَوْلا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَأُوهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ} ١ الآية.
يشير إلى أنه معذور بإقامته مع هؤلاء كما عذر من أقام من المؤمنين بمكة مع المشركين، فيقال له (أولا): إن هؤلاء الذين سماهم الله مؤمنين لم يظاهروا على المؤمنين مشركا ولا منافقا ولا باغيا ولا ظالما ولا سبوا مؤمنا ولا عادوه.
ومنهم من قيده أهله بمكة ومنعوه من الهجرة كأبي جندل بن سهيل. فإنه خرج يوم الحديبية من مكة يرسف بقيوده، فلو أن أحدا منهم سب المسلمين أو عابهم أو أعان عدوهم انتقض إسلامه بلا ريب، لكن الله تعالى حفظهم من هذه الأمور وعذرهم باستضعافهم وعجزهم، ولهذا ثبت في الصحيح وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو لهم في الفريضة، كما أخرج البخاري -رحمه الله تعالى- في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن يدعو على أحد أو يدعو لأحد قنت بعد الركوع، وربما قال إذا قال سمع الله لمن حمده: "ربنا ولك الحمد اللهم أنج الوليد بن الوليد، وسلمة بن هشام، وعياش