للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ينسبون إلى العلم، قال سليمان التيمي: "لو أخذت بزلة كل عالم لاجتمع فيك الشرك كله". فإنا لله وإنا إليه راجعون.

وقوله المطابق لقول النبي: "لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم"١.

(أقول): لا ريب أن المطابقة وقعت منه ولا بد، لكنها في المنهي عنه لا في النهي، فالذي نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم من الإطراء طابقته الأبيات من قوله:

يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به ... سواك ... إلى آخرها

فقد تضمَّنت غاية الإطراء والغلو الذي وقعت فيه النصارى وأمثالهم، فإنه قصر خصائص الإلهية والربوبية التي قصرها الله على نفسه، وقصرها عليه رسوله صلى الله عليه وسلم فصرفها لغير الله؛ فإن الدعاء مخ العبادة، واللياذ من أنواع العبادة.

[أبيات البردة فيها الاستعانة والاستغاثة بغير الله]

وقد جمع في أبياته الاستعانة والاستغاثة بغير الله، والالتجاء والرغبة إلى غير الله، فإن غاية ما يقع من المستغيث والمستعين والراغب إنما هو الدعاء واللياذ بالقلب واللسان. وهذه هي أنواع العبادة، ذكرها الله تعالى في مواضع كثيرة من كتابه وشكرها لمن قصرها على الله، ووعده على ذلك الإجابة والإثابة، كقوله تعالى: {هُوَ الْحَيُّ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} ٢. وقوله: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} ٣ الآية، وقوله: {وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِهِ أَحَدًا قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَدا قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا} ٤ الآيات.

فهذا هو الدين الذي بعث الله به نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم، وأمره أن يقول لهم: {إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِهِ أَحَدًا} ٥، فقصر الدعاء على ربه الذي هو توحيد الإلهية، وقال: {قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَدا} ٦ إلى آخر الآيات، وهذا هو توحيد الربوبية، فوحَّد الله في إلهيته وربوبيته، وبيَّن للأمة ذلك كما أمر الله تعالى.


١ البخاري: أحاديث الأنبياء (٣٤٤٥) , وأحمد (١/ ٢٣ ,١/ ٢٤ ,١/ ٤٧).
٢ سورة غافر آية: ٦٥.
٣ سورة غافر آية: ٦٠.
٤ سورة الجن آية: ١٩.
٥ سورة الجن آية: ٢٠: ٢٣.
٦ سورة الجن آية: ٢١.

<<  <  ج: ص:  >  >>