وأما الزيارة الشركية، فأصلها مأخوذٌ عن عباد الأصنام، قالوا: الميت المعظم الذي لروحه قربٌ ومَزِيَّة عند الله -تعالى- لا يزال تأتيه الألطاف من الله -تعالى- وتفيض على روحه الخيرات. فإذا علق الزائر روحه به، وأدناها منه، فَاضَ من روح المَزُور على روح الزائر من تلك الألطاف بواسطتها كما ينعكس الشعاع من المرآة الصافية والماء على الجسم المقابل له. قالوا: فتمام الزيارة أن يتوجه الزائر بروحه وقلبه إلى الميت، ويعكف بهمته عليه، ويوجه قصده كله وإقباله عليه، بحيث لا يبقى فيه التفاتٌ إلى غيره. وكلما كان جمع القلب والهمة عليه أعظم: كان أقرب إلى الانتفاع به.
وقد ذكر هذه الزيارة ابن سينا والفارابي وغيرهما، وصرح بها عباد الكواكب في عبادتها، وهذا بعينه هو الذي أوجب لعباد القبور اتخاذها أعيادا وتعليق السُّتُور عليها، وإيقاد السُّرُج، وبناء المساجد عليها، وهو الذي قصد رسول الله صلى الله عليه وسلم إبطالَه ومَحْوَهُ بالكلية، وسد الذرائع المُفْضِيَة إليه، فوقف المشركون في طريقه وناقضوه في قصده.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم في شِقٍّ وهؤلاء في شِقٍّ. وهذا الذي ذكره هؤلاء في زيارة القبور والشفاعة التي ظنوا أن آلهتهم تنفعهم بها، وتشفع لهم عند الله، قالوا: فإن العبد إذا تعلقت روحه بروح الوَجِيهِ المُقَرَّب عند الله، وتوجه بهمته إليه وعكف بقلبه عليه، صار بينه وبينه اتصالٌ يفيض عليه نصيب مما يحصل له من الله. وشَبَّهُوا ذلك بمن يخدم ذا جاهٍ وحظوةٍ وقُرْبٍ من السلطان، وهو شديد التعلق به، فما يحصل لذلك من السلطان من الإنعام والإفضال ينال ذلك المتعلقَ به بحسب تعلقه به. فهذا سر عبادة الأصنام، وهو الذي بعث الله رسله؛ وأنزل كتبه بإبطاله وتكفير أصحابه، ولعنهم وأباح دماءهم وأموالهم وسبي ذراريهم، وأوجب لهم النار.
[الشفاعة جميعها لله يأذن لمن شاء لمن ارتضى]
والقرآن من أوله إلى آخره مملوء من الرد على أهله وإبطال مذهبهم، قال الله تعالى: {أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعَاءَ قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لا يَمْلِكُونَ شَيْئًا وَلا يَعْقِلُونَ *