للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رَدُّ الإمام أحمد على الزَنَادِقة والجَهْميّة

"الحمد لله الذي جعل في كل زمان فترة من الرسل بقايا من أهل العلم يدعون من ضل إلى الهدى، ويصبرون منهم على الأذى، يحيون بكتاب الله الموتى، ويبصرون بنور الله أهل العمى، فكم من قتيل لإبليس قد أحيوه، وكم من ضال تائه قد هدوه، فما أحسن أثرهم على الناس، وأقبح أثر الناس عليهم، ينفون عن كتاب الله تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين، الذين عقدوا ألوية البدع، وأطلقوا مقال الفتنة، فهم مختلفون في الكتاب، يقولون على الله، وفي الله، وفي كتاب الله بغير علم، يتكلمون بالمتشابه من الكلام، ويخدعون جهال الناس بما يشبهون عليهم، فنعوذ بالله من فتن المضلين، وكذلك الجهم وشيعته دعوا الناس إلى المتشابه من القرآن والحديث، فَضَلُّوا وأَضَلُّوا بكلامهم بشرا كثيرا.

"فكان مما بلغنا من أمر الجهم -عدو الله- أنه كان من أهل خراسان من أهل ترمذ، وكان صاحب خصومات وكلام، وكان أكثر كلامه في الله، فلقي أناسا من المشركين يقال لهم: السمنية، فعرفوا الجهم، فقالوا له: نكلمك، فإن ظهرت حجتنا عليك دخلت في ديننا، وإن ظهرت حجتك علينا دخلنا في دينك. فكان مما كلموا به الجهم أن قالوا: ألست تزعم أن لك إلها؟ قال الجهم: نعم. فقالوا له: فهل رأيت إلهك؟ قال: لا. قالوا: فهل سمعت كلامه؟ قال: لا. قالوا: فشممت له رائحة؟ قال لا. قالوا: فوجدت له حسا؟ قال: لا. قالوا: فوجدت له مجسا؟ قال: لا. قالوا: فما يدريك أنه إله؟ قال: فتحير الجهم، فلم يدر من يعبد أربعين يوما.

ثم إنه استدرك حجة مثل حجة زَنَادِقَة النصارى، وذلك أن زنادقة النصارى يزعمون أن الروح الذي في عِيسَى هو روح الله من ذات الله، فإذا أراد أن يحدث أمرا دخل في بعض خلقه فتكلم على لسان خلقه، فيأمر بما شاء، وينهى عما شاء، وهو روح

<<  <  ج: ص:  >  >>