وقد جئناهم بأدلة الكتاب والسنة، وما عليه الصحابة والأئمة، ولو استقصينا ذكر الأدلة، وبسط القول لاحتمل مجلدا ضخما.
وسبب الفتنة بقصائد هؤلاء المتأخرين كقصائد البوصيري والبرعي، واختيارها على قصائد شعراء الصحابة كحسان بن ثابت، وكعب بن مالك، وكعب بن زهير، وغيرهم من شعراء الصحابة -رضي الله عنهم- وفيها من شواهد اللغة والبلاغة ما لم يُدْرِك هؤلاء المتأخرون منه عُشْرَ المِعْشَار، وما ذاك إلا لأن قصائد هؤلاء المتأخرين تجاوزوا فيها الحد إلى ما يكرهه الله ورسوله، فَزَيَّنَهَا الشيطانُ في نفوس الجُهَّال والضُلال، فمالت إليها نفوسهم عن قصائد الصحابة التي ليس فيها إلا الحق والصدق، وما قصروا فيها جهدهم عما يصلح أن يمدح به رسول الله صلى الله عليه وسلم وتَحَرَّوْا فيها ما يرضيه، وتجنبوا ما يُسْخِطهُ صلى الله عليه وسلم وما نهى عنه من الغلو.
فما أشبه هؤلاء بقول أبي الوفاء بن عقيل - وهو في القرن الخامس: "لما صعبت التكاليف على الجُهَّال والطِّغَام عدلوا عن أوضاع الشرع إلى أوضاعٍ وضعوها لأنفسهم، فسهلت عليهم؛ إذ لم يدخلوا بها تحت أمر غيرهم. قال: وهم عندي كفار بهذه الأوضاع ... إلى آخره.
[مقصود زيارة الموحدين للقبور]
ومما يتعين أن نختم به هذا الجواب: فصل ذكره العلامة ابن القيم* -رحمه الله تعالى ونفعنا بعلمه- قال، بعد أن ذكر زيارة الموحدين للقبور وأن مقصودها ثلاثة أشياء:
(أحدها): تذكير الآخرة والاعتبار والاتعاظ.
(الثاني): الإحسان إلى الميت، وأن لا يطول عهده به فيتناساه، فإذا زاره وأهدى إليه هدية من دعاء أو صدقة، ازداد بذلك سروره وفرحه. ولهذا شرع النبي صلى الله عليه وسلم للزائر أن يدعو لأهل القبور بالمغفرة والرحمة، ويسأل لهم العافية فقط، ولم يشرع أن يدعوهم ولا يدعو بهم ولا يصلي عندهم.
(الثالث): إحسان الزائر إلى نفسه باتباع السنة، والوقوف عند ما شرعه الرسول صلى الله عليه وسلم.
* ذكره في "إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان" ١/ ٢١٨. [معد الكتاب للمكتبة الشاملة].