للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

"لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، إنما أنا عبد، فقولوا: عبد الله ورسوله"١، وقوله لما قال له رجل: ما شاء الله وشئت. قال: "أجعلتني لله ندا؟! بل ما شاء الله وحده"٢ وقال: "إنه لا يستغاث بي، وإنما يستغاث بالله عز وجل". فلقد حذر أمته صلى الله عليه وسلم وأنذرهم عن الشرك ووسائله، وما دقَّ منه وجلَّ، ودعا الناس إلى التوحيد ونهاهم عن الشرك، وجاهدهم على ذلك، حتى أزال الله به الشرك والأوثان من جميع الجزيرة وما حولها من نواحي الشام واليمن وغير ذلك.

وقد بعث السرايا في هدم الأوثان وإزالتها، كما هو مذكور في كتب الحديث والتفسير والسير، كما في حديث أبي الهياج الأسدي الذي في الصحيح، قال: قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه "ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ أن لا أدع قبرا مشرفا إلا سويته، ولا تمثالا إلا طمسته"٣. وقد بعثه النبي صلى الله عليه وسلم يوم الفتح لهدم (مناة) وبعث خالد بن الوليد يومئذ لهدم بيت العزى، وقطع السمرات التي كانت تعبدها قريش وهذيل، وبعث المغيرة بن شعبة لهدم اللات فهدمها، وأزال عن جزيرة العرب وما حولها جميع الأصنام والأوثان التي كانت تعبد من دون الله.

والصحابة -رضي الله عنهم- تعاهدوا هذا الأمر واعتنو بإزالته أعظم الاعتناء بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بما يقع في أمته من الاختلاف، كما في حديث العرباض بن سارية قال: "فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا"٤ الحديث، فوقع ما أخبر به صلى الله عليه وسلم، وعظم الاختلاف في أصل الدين بعد القرون المفضلة كما هو معلوم عند العلماء، ولو أخذنا نذكر ذلك أو بعضه لخرج بنا عن المقصود من الاختصار.

[هدم الإسلام للشرك ثم عودته إلى المسلمين وفشوه فيهم]

فانظر إلى ما وقع اليوم من البناء على القبور والمشاهد وعبادتها، فلقد عمَّت هذه البلية كثيرا من البلاد، ووقع ما وقع من الشرك وسوء الاعتقاد في أناس


١ البخاري: أحاديث الأنبياء (٣٤٤٥) , وأحمد (١/ ٢٣ ,١/ ٢٤ ,١/ ٤٧).
٢ أحمد (١/ ٢١٤).
٣ مسلم: الجنائز (٩٦٩) , والترمذي: الجنائز (١٠٤٩) , والنسائي: الجنائز (٢٠٣١) , وأبو داود: الجنائز (٣٢١٨) , وأحمد (١/ ٩٦ ,١/ ١٢٨ ,١/ ١٤٥ ,١/ ١٥٠).
٤ الترمذي: العلم (٢٦٧٦) , وأبو داود: السنة (٤٦٠٧) , وابن ماجه: المقدمة (٤٤) , وأحمد (٤/ ١٢٦) , والدارمي: المقدمة (٩٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>