للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صلى الله عليه وسلم بعد موته، ولا بغيره من الأنبياء، لا عند قبورهم ولا إذا بعدوا عنها، بل ولا أقسم بمخلوق على الله أصلا، ولا كانوا يقصدون الدعاء عند قبور الأنبياء، ولا قبور غير الأنبياء، ولا الصلاة عندها. وقد كره العلماء كمالك وغيره أن يقوم الرجل عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم يدعو لنفسه، وذكروا أن هذا من البدع التي لم يفعلها السلف.

[ليس لسؤال الموتى تأثير في الإجابة]

وأما ما يُرْوَى عن بعضهم أنه قال: قبر معروف: الترياقُ المُجَرَّب، وقول بعضهم: فلان يدعى عند قبره. وقول بعض الشيوخ: إذا كانت لك حاجة فاستغث بي، أو قال استغث عند قبري، ونحو ذلك، فإن هذا قد وقع فيه كثير من المتأخرين وأتباعهم؛ ولكن هذه الأمور كلها بدعٌ محدثةٌ في الإسلام بعد القرون الثلاثة المفضلة، وكذلك المساجد المبنية على القبور التي تسمى المشاهد محدثةٌ في الإسلام، والسفر إليها محدث في الإسلام لم يكن شيء من ذلك في القرون الثلاثة المفضلة، بل ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لعن الله اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد"١ يحذر ما فعلوا - قالت عائشة -رضي الله عنها-: ولولا ذلك لأبرز قبره، ولكن كره أن يتخذ مسجدا.

وثبت في الصحيح عنه أنه قال -قبل أن يموت بخمس-: "إِنَّ مَن كان قبلكم كانوا يتخذون القبور مساجد؛ ألا فلا تتخذوا القبور مساجد؛ فإني أنهاكم عن ذلك"٢. وقد تقدم أن عمر لما أجدبوا استسقى بالعباس فقال: اللهم إنا كنا إذا أجدبنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا، فَيُسْقَوْنَ.

فلم يذهبوا إلى القبور، ولا توسلوا بميت ولا غائب، بل توسلوا بالعباس وكان توسلهم به توسلا بدعائه، كالإمام مع المأموم، وهذا تعذر بموته.

فأما قول القائل -عن ميت من الأنبياء والصالحين-: اللهم أني أسألك بفلان، أو بجاه فلان، أو بحرمة فلان، فهذا لم يُنْقَل لا عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن الصحابة ولا التابعين؛ وقد نص غير واحد من العلماء أنه لا يجوز، فكيف يقول القائل للميت: أنا أستغيث بك وأستجير بك، وأنا في حسبك، أو سل لي الله، ونحو ذلك؟


١ البخاري: المغازي (٤٤٤١) , ومسلم: المساجد ومواضع الصلاة (٥٣١) , والنسائي: المساجد (٧٠٣) , وأحمد (١/ ٢١٨ ,٦/ ٣٤ ,٦/ ٨٠ ,٦/ ١٢١ ,٦/ ١٤٦ ,٦/ ٢٥٥) , والدارمي: الصلاة (١٤٠٣).
٢ مسلم: المساجد ومواضع الصلاة (٥٣٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>