للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي حديث ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: "إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله"١ ولم يقل: فاسألني أو استعن بي. فقصر السؤال والاستعانة على الله الذي لا يستحقه سواه، كما في قوله: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} ٢. فمن صرف ذلك لغير الله فقد عصى الله ورسوله، وأشرك بالله.

وللمعترض كلام ركيك لا حاجة لنا إلى ذكر ما فيه، وإنما نتتبع من كلامه ما يحتاج إلى رده وإبطاله كجنس ما تقدم.

[طلب الشفاعة ممن لا يملكها كالأموات شرك بالله]

واعلم أنه قال -لما ذكر قول المجيب-: إنه لا يجتمع الإيمان بالآيات المحكمات، وتلك الأبيات لما بينهما من التنافي والتضاد.

قال المعترض أقول: يجتمعان بأن يفرد الله بالعبادة، ولا يقدح فيه تشفُّعُه بأحبابه إليه، وكيف يحكم عليه بالضلال بمجرد طلبه الشفاعة ممن هو أهل لها كما في الحديث: "أنا لها، أنا لها"٣، ومعلوم أن الضلال ضد الحق؟

(فالجواب): لا يخفى ما في كلامه من التخليط والتلبيس والعصبية المشوبة بالجهل المركب، لا يدري ولا يدري أنه لا يدري.

وقد بينا فيها تقدم أن دعوة غير الله ضلال، وأن اتخاذ الشفعاء الذي أنكره الله تعالى إنما هو بدعائهم والالتجاء إليهم والرغبة إليهم فيما أراده الراغب منهم من الشفاعة التي لا يقدر عليها إلا الله، وذلك ينافي الإسلام والإيمان بلا ريب؛ فإن طلبها من الأموات والغائبين طلب لما لا يقدر عليه إلا الله، وهو خلاف لما أمر الله به تعالى، وارتكاب لما نهى عنه كما تقدم بيانه في معنى قوله تعالى: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ} ٤ الآية، وقوله: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلا تَحْوِيلًا} ٥ الآية، وقوله: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} ٦. فطلب الشفاعة من النبي


١ الترمذي: صفة القيامة والرقائق والورع (٢٥١٦) , وأحمد (١/ ٢٩٣ ,١/ ٣٠٣ ,١/ ٣٠٧).
٢ سورة الفاتحة آية: ٥.
٣ البخاري: التوحيد (٧٥١٠) , ومسلم: الإيمان (١٩٣).
٤ سورة يونس آية: ١٨.
٥ سورة الإسراء آية: ٥٦.
٦ سورة الزمر آية: ٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>