وأما احتجاجه بحديث المباهلة، فنفس الحديث يدل على أن ذلك ليس من خصائص علي رضي الله عنه؛ لأنه قد شاركه فيه فاطمة وحسن وحسين، كما شاركوه في حديث الكساء، فعلم أن ذلك لا يختص بالرجال ولا بالذكور ولا بالأئمة، بل شركه فيه المرأة والصبي؛ فإن الحسنين كانا صغيرين عند المباهلة.
فإن المباهلة كانت لما قدم وفد نجران بعد فتح مكة سنة تسع أو سنة عشر، والنبي صلى الله عليه وسلم مات ولم يستكمل الحسين سبع سنين، والحسن أكبر منه بنحو سنة، وإنما دعا هؤلاء؛ لأن الله أمر أن يدعو كل واحد من المتباهلين الأبناء والنساء والأنفس، فيدعو الواحد من أولئك أبناءه، ونساءه، وأخص الرجال به نسبا، وهؤلاء أقرب الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلا كان غيرهم أفضل منهم عنده، فلم يؤمر أن يدعو أفضل أتباعه؛ لأن المقصود أن يدعو كل واحد أخص الناس به، لما في جبلة الإنسان من الخوف عليه، وعلى ذوي رحمه الأقربين إليه؛ ولهذا خصهم في حديث الكساء لهم.
والمباهلة مبناها على العدل، فأولئك أيضا يحتاجون أن يدعوا أقرب الناس إليهم نسبا، فهم يخافون عليهم ما لا يخافون على الأجانب، والله -سبحانه وتعالى- أعلم.
فصل
[الاستدلال بالأحاديث الضعيفة والموضوعة]
وأما قوله: (حتى روى المحدثون من فضائله قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنت مني كرأسي من جسدي").
فالجواب أن يقال: هذا الحديث لا يعرف في شيء من الكتب المعتمدة: كالصحيحين والسنن والمسانيد، ولم يصححه أحد من أهل الحديث المعروفين بنقد الحديث، والتمييز بين صحيحه من موضوعه.
ومجرد رواية بعض أهل الكتب لا توجب صحته؛ لأن كثيرا من أهل الكتب يروون في كتبهم الصحيح والحسن والضعيف والموضوع؛ وذلك لأنهم يميزون بين الحديث الذي تقوم به الحجة