للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُوَاعًا وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا} ١. فتبين أن نوحا -عليه السلام- دعا قومه إلى ترك عبادة هذه الأصنام، والبراءة منها، والكفر بها. وكذلك هود -عليه السلام- دعا قومه إلى عبادة الله وحده، وترك ما كان يعبده آباؤهم كما أخبر تعالى عنهم أنهم قالوا له: {أجئتنا لنعبد الله وحده ونذر ماكان يعبد آباؤنا} ٢.

ومعلوم أن آباءهم لم يكونوا يعبدون كليا ذهنيا لا يوجد إلا في الذهن، بل يعبدون أشخاصا موجودة في الخارج، وقد قالوا لهود -عليه السلام-: {إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ} ٣. وقد تقدم من الأدلة ما يدل على أن المنفي والمنهي عنه هو عبادة الأصنام والأوثان والطواغيت التي تعبد من دون الله كما قال -تعالى-: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} ٤، {وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ} ٥. فلا يشك مسلم -بل كل من له عقل- أن الطواغيت التي يعبدها المشركون موجودة في الخارج، والقرآن من أوله إلى آخره يدل على هذا.

[المنفي بكلمة التوحيد كل ما عبد ويعبد من دون الله]

فيا من لا يعرف من كلمة الإخلاص ما عرفه عوام المسلمين! ارجع إلى نفسك، وتأمل ما وقعت فيه، أما علمت أن لا النافية إنما وضعت لغة لنفي الجنس تنصيصا؟ والجنس الذي وضعت له لا بد له من أشخاص متعددة في الخارج، قديمة وحديثة، يعبدها كل مشرك؟ وليست كليا لا يوجد إلا في الذهن؟

فإن هذه الدعوى الباطلة لم يقل بها مسلم في معنى كلمة الإخلاص، حتى المشركين في لغاتهم لا يعرفون أن هذا معناها، ولا أنها سلبت مفهوم الإله، بل عرفوا كلهم أن من دعاهم إلى أن يقولوا: "لا إله إلا الله". فإنما أراد منهم ترك ما كانوا يعبدونه من أصنامهم وأوثانهم، وطواغيتهم التي كانت عندهم يعبدونها من دون الله.

أما قريش والعرب، فأخبر الله -تعالى- عنهم أنهم لما قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قولوا لا إله إلا الله"٦ قالوا: {أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا} ٧ إلى قوله: {وَانْطَلَقَ الْمَلأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ} ٨، وآلهتهم: اللات والعزى ومناة التي


١ سورة نوح آية: ٢٣.
٢ سورة الأعراف آية: ٧٠.
٣ سورة هود آية: ٥٤.
٤ سورة النحل آية: ٣٦.
٥ سورة الزمر آية: ١٧.
٦ الترمذي: تفسير القرآن (٣٢٣٢) , وأحمد (١/ ٢٢٧).
٧ سورة ص آية: ٥.
٨ سورة ص آية: ٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>