وإنها دلت على توحيد الإلهية مطابقة وتضمنا وما دلت عليه التزاما، وذكر كلاما في تقرير هذا المعنى، وذكر أن بعضهم اشترط في لا النافية للجنس في هذه الكلمة الوحدة الذهنية، فجعلوا الجنس المنفي واحدا لا يوجد إلا ذهنا. قال: وبما ذكرناه يتضح أنه لا يصح أن يقال: نأخذ الجنس بشرط الوحدة الذهنية فتكون القضية طبيعية.
(أما أولا): فالمراد بالجنس -بلا شرط- الصالح للصدق على الأفراد، كما هو الشأن في موضوع القضايا.
(وأما ثانيا): فلأن الكلام يخرج عن إفادة التوحيد بالكلية، لأن حاصله حينئذ هذا الجنس المأخوذ بشرط الوحدة الذهنية المغايرة لله تعالى منتف، وليس هذا من التوحيد في شيء، ولا شم من رائحة الدلالة عليه.
(ويقال ثالثا): إن أريد أن هذا الجنس منتف في الذهن فهو قطعي البطلان، إذ كل من ينطق بهذا التوحيد مستحضرا لمعناه قد تحقق هذا الجنس في ذهنه، فكيف يصلح نفيه؟ وعلى كل حال فلا يصح تفسيرا لهذه الكلمة، لأن المراد من "لا إله إلا الله" هو الدلالة على توحيد الألوهية، وهذا معلوم بالضرورة، وعلى تفسيرهم يكون بينه وبين الدلالة على التوحيد بُعد المشرقين.
(قلت): وهذا الذي ذكره إبراهيم بن سعد من اشتراطهم أن يكون الجنس فردا لا يؤخذ إلا ذهنا، هو الذي صرح به هذا الملحد في ورقته، وهو أن "لا" في كلمة التوحيد سلبت مفهوم الإله الذي لا يوجد إلا ذهنا، وقد عرفت بعد هذا عن التوحيد الذي دلت عليه كلمة الإخلاص.
ولقد صرفوا هذه الكلمة العظيمة عما وضعت له وأريد بها لغة وشرعا وعقلا وفطرة، فإنها وضعت للبراءة من كل ما يعبد من دون الله، وإبطال عبادته، والكفر به؛ وقد عرف هذا كل أحد حتى مشركو الأمم، ومشركو العرب كما تقدم بيانه.
[الرد على من صرف كلمة التوحيد عن معناها]
وأما قوله: وخلاصة المعنى سلب مفهوم الإله لما سوى الله وإيجابه له وانحصاره